فن وثقافة

ما زلت أقاوم

يعرض موقع بوابة القاهرة قصة ما زلت أقاوم للكاتبة الصحفية والروائية داليا فكري، والتي تحاكي من خلالها واقع أليم تسرده القصة.

قصة ما زلت أقاوم

تبًا للأيام، نعم تبًا لها ولك، ما زلت أقاوم فيها عبقك الذي استنشقته في أول لقاء لنا.

تناسيت فيها اسمي، وسيطرت على مسامعي تلك الموسيقى التي صاحبت نظراتك، ففي كل مرةً أنظر لعيناك يحتلني الأوركسترا، فأعزف موسيقى عشقي وكأنني العازف الوحيد.

تُسمعني آناتك فأستطربها، وتسمعني ضحكاتك فأستعذبها، وتسمعني مشاجراتك فأحتضنك دون وعي.

أبدون وعي، أم أني أعي ما حل بذاتي؟

أبدون مقاومة ألتقيك، أم أني أقاوم دون مغزى؟

أبدون تفكير أنساق خلفك، أم أني أتبع طربي الذي استعذبته في صوتك؟!

إقرأ المزيد| الطلاق بسبب أم الزوج الظالمة

أنهكني التفكير، ولم تعد لقواي معنى، ولكني مازلت أقاوم، أقاوم بكل ما أوتيت من قوة أن أُسلم حصوني لعينيك، أو أن أرفع رايات شغفي لتخوض كل المعارك، وإن خُضتها.

فأنت جيشي الوحيد، بك أغزو، وأسيطر، وأحتل، كل حصون العشاق ومواطن الجمال، وأدفعهم للاستسلام ودفع الفدية.

يامُلهمي، يامن امتني في الهوى وتحللت أجزائي، فأمتصتها الأرض لتُنبت زهورًا وريحانًا، في كوني الصغير، لا أرى فيه إلا عينيك، ولا أسمع فيه إلا صوتك.

حين تناديني همسًا أسمعك، فأستيقظ من سُباتي غير مدركة ما الذي أيقظني، وغير مدركة من أين يأتيني صوتك.

هل هو يأتي من أعماقي، أم من أعماقك، أم من أعماق الأرض التي زرعتها حولي بكل تفاصيلك فحاصرتني؟

قد يهمك قراءة| قصة يحيا العدل

ورد وشوك، صيف وشتاء، نار وماء، أراهم كل يوم يطلون علي من انفعالاتك، فأنت الكلمة وعكسها، والفعل وَرَده، والهزيمة والإنتصار، وأنت ما بحثت عنه في الكتب والدواوين والقواميس والمجلدات.

لكن مازلت أقاوم، ولهذا عليك أن تعلم أني وإن مُت شغفًا سأقاوم، وإن فقدت السمع والبصر، فسأستشعرك وأقاوم.

وإن تمادت بي الأحاسيس وأغرقتني في براكين ثائرة، سأقاوم، وإن ضاعت مني كُل المعاني والكلمات وفقدت حروف اللغات، سأقاوم. حتى وإن ضاعت نجمتي وضللت مجرتي وتقاذفتني الأكوان متجاهلتني سأقاوم.

سأقاوم ضعفي وضياع رتابتي أمام عينيك، وسأقاوم حروفي المبعثرة وتهتهاتي في حديثي معك، وسأقاوم نظرتي المستسلمة وخوف الأم، وقلق الزوجة، ولهفة الحبيبة، واشتياق العاشقة، وكبرياء الأنثى.

سأقاوم كل هذا وأكثر، حتى لا أصطدم بالواقع، حتى لا تبهت ألوانك الزاهية في لوحاتي، ولا حروفك المتأججة في كلماتي، ولا نغماتك الطنانة في أذني.

إخترنا لك قصة| ملامح باردة

سأظل أقاوم بكل ما أوتيت من قوة، حتى تجدني مثلما وجدتك، وتستشعرني مثلما استشعرتك، وتنكس راياتك أمام حصوني، وتلوح بأغصان الزيتون، فيعم السلام في كونينا ونحيا مثلما لم يحيا الخلق أجمع.

ولهذا أقول تبًا لك يامن قادني للمجهول، تبًا لك وللأيام

ما زلت أقاوم

الكاتبة| داليا فكري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى