فن وثقافة

الأم.. قصة قصيرة للكاتبة رشا إبراهيم

يعرض موقع بوابة القاهرة ضمن حملته لتسليط الضوء على المواهب الكتابية الإبداعية والأقلام المنيرة، قصة الأمة للكاتبة المصرية رشا إبراهيم.

قصة الأم

كانت تعيش مثل باقي سيدات المجتمع إمرأة عاملة تقف بجانب زوجها جنبا إلى جنب، كما أنها مطالب منها مهام منزلها وتربية أبنائها الثلاثة، فلا تشكو ولا تمل.

في الصباح تكون المعلمة الناجحة التي تدرس وتبني جيلًا وراء جيل من الأطباء والمهندسين والمعلمين، وفي المساء الزوجة الحنونة والأم الصارمة.

عاشت على هذا الحال حقبة من الزمن لا تبالي من هبات الزمن الساخنة، فإذا بأقرب الناس إلى قلبها يمرض وينهار أمامها، ذلك الرجل الحنون صاحب الشخصية الجذابة، الأب والصديق والأخ لها، لتبدأ في حمل جديد على عاتقها، لتجد نفسها أمام فاجعة وفاة زوجها، ذلك السند والحنان والأمان لتصبح وحيدة في حمل المسؤوليه تجاه أبنائها.

هؤلاء الأبناء الذين لهم من متطلبات الحياة الكثير، وأمامهم طريق طويل من الدراسة، فأصبحت مع الوقت هي الأم والأب، هي الشدة والحنان.

لكن، لم يمهلها القدر الكثير حتى فرضوا عليها أخواتها نقل حياتها بجانبهم، حتى يكونوا لها السند بدل الزوج المفقود، وقد كان.

بدأت حياتها بجانب أقرب الناس إلى قلبها، أملًا في تعويضها ما أفتقدته بإفتقاد الزوج، ومع الأيام أعتادت غلق الأبواب جيدًا خوفًا من الدنيا وما تأتي به.

بعد أن كان للنوم راحة أصبح التوتر والقلق هما الصديقان المفضلان لها، فكنت تطمئن على أبنائها كل يوم، لا تمل من انتظارهم.

رعم أنها تعيش مع أخواتها إلا أنها أعتادت على الخوف، كأن الخوف أصبح صديقًا مقربًا، وفي ظل هذه الظروف لم تهمل عملها بل تفوقت ونجحت، وجمعت الأموال لتضعها تحت أقدام أبنائها.

كانت تأتي إليهم بالكثير حتى تعوضهم الفقدان الأليم، وفي ظل ذلك تبوأت المناصب العليا في عملها، فكانت مثال للمعلمة الدؤوبة، فتدرجت في عملها حتى تولت مدير عام مدرسة ثانوية.

منصبها الجديد التي حصلت عليه بعد سنوات من الكفاح، رغم آلامها ووحدتها بوفاة زوجها، لكنها استطاعت توصيل أبنائها إلى حياتهم الخاصة، وأسست معهم حياتهم الجديدة.

بعد زواج أبنائها، أصبحت الأم المحملة بالكثير من المتاعب جدة، ولكن هيهات من هذه الدنيا التي فأجائتها بمرض ابنتها الكبرى.

سنوات جديدة من التعب حملتها ايضا في الحيرة والجري وراء الأطباء لتشخيص مرض بنتها، بها ولكن بلا فائدة، حتى تملك اليأس قلبها.

وقفت الأم تشاهد أبنتها تبكي وتصرخ وتتألم من شدة المرض، بعد ما يأس الأطباء من علاجها، وأغلقت الدنيا أبوابها أمامها، فكانت لها ايضا السند.

وقفت الأم بجانب أبنتها كعكاز تستند عليه، كأنها طفلة صغيرة كي تعينها على مواجهة مرضها المزمن، فباتت تكرس حياتها لها ولابنائها الصغار وزوجها وترعاهم، حتى لايقع البيت وينهار، أملًا منها في شفائها.

تركت عملها وحياتها وجلست بجوار ابنتها تساعدها على تخطي تلك المرحلة العصيبة، لكن الدنيا تفاجئها بابتلاء ابنها الثاني بمرض الفشل الكلوي.

في الصباح تذهب مع ابنها جلسة الغسيل الكلوي، وفي المساء تذهب بابنتها إلى الطبيب، وهكذا مرت عليها الأيام والسنوات تواجه أقدارها.

تقف بجانب أبنائها وأحفادها، لا تمل ولا تكل، في تحدي آخر وهو نسيان نفسها وأمراض شيخوختها من أجلهم، تحاول الخروج بهم من النفق الضيق إلى النور والحياة، قوية كالسيف، لاتبكي ولا تنهار ولا تعلن الأنسحاب، يقظة مثل وجهها المشع بالنور والأيمان، تمنحهم من حياتها وصحتها كي ترى نظرة الشفاء في أعينهم.

هي الأم وهي الجبل الذي لايهتز، هي الأم الصبورة التي تستحق لقب الأم المثالية بلا شهادات، حقًا الجنة تحت أقدام الأمهات.

الأم

بقلم| رشا إبراهيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى