مقالات وآراء

الآخر.. الجميل المختلف والقريب

الآخر.. الجميل المختلف والقريب، يتشتت اهتمام الإنسان بين الكثير من الأشياء، فيعتاد على معظم ما حوله، ولا يتخيل أن ينقصه شيء مما يملك أياً كان ومهما كان.

ولا شك أن التطور الذي نعيشه زاد من انشغالنا برغم اختصاره لكثيرٍ من المراحل التي كانت تبدو صعبة فقط منذ عشرين عامً، وشغلتنا حتى عن التفكير والتأمل والإنفراد بأنفسنا ومراجعة حساباتنا، فنشعر بالضيق إذا ما انقطعت الكهرباء أو تعطل الصوت في أي جهاز نستخدمه أو اضطررنا لبذل مجهود في الحديث لأن صوتنا لا يسمع جيدًا لكننا ننسى برغم كثرة الحديث في السنوات الأخيرة عن مصطلح (الآخر) وتقبله وتقبل اختلافات البشر أن هناك (آخرين) معنا ويشاركوننا الحياة برغم تهميشهم وتغييبهم عن المشهد من المكفوفين أو الصم والبكم أو الذين يمتلكون وضعًا خاصًا لا يُمكنهم من العيش بشكل طبيعي كباقي الناس بسبب غياب أحد حواسهم أو إصابة أو فقدان أحد أطرافهم أو حدوث مشاكل في نموهم جعلتهم مختلفين.

وأكثر من يشعر بهذا الأمر غير أصحاب الشأن هم أسر هؤلاء الأطفال والشباب والذين يعيشون معاناتهم بشكل مضاعف بسبب قلقهم الدائم عليهم وسعيهم لحمايتهم وتجنيبهم الصعوبات وكل ما من شأنه أن يجرح مشاعرهم ويشعرهم بأنهم ليسوا كباقي أقرانهم.

ولا يخفى على أحد المعاناة التي يواجهها الأهل بسبب عدم وجود اهتمامٍ كافٍ بحالاتهم، وعدم تخصيص مرافق لهم أو تخصيص مساحة تستوعبهم ضمن الأماكن العامة لتسهيل اندماجهم في المجتمع بدلاً من عزلهم، وتمكينهم من الإعتماد على أنفسهم بكل كرامة دون الحاجة إلى مساعدة أو التعامل معهم بنوع من الشفقة التي يكون لها أثر عكسي على نفسية الأهل والطفل أو الشخص الذي يعيش وضعًا خاصًا على حد سواء.

ويبدأ الموضوع بخطوات جدية يتم اتخاذها عبر الإعلام ومناهج التعليم والقيام بحملات توعوية للأشخاص العاديين الذين تبدأ المشكلات معهم ليعتادوا فيما بينهم على وجود مكفوفين أو مقعدين أو أشخاص منتمين للصم والبكم أو أطفال مصابين بالتوحد أو العديد من المشكلات الصحية غير الشائعة والتي لا يعرف الكثيرون عنها، والبدء في دمجهم منذ الطفولة في مختلف المدارس الحكومية والخاصة لتكون الفكرة متاحة لجميع الفئات الإجتماعية، تمهيداً لوجودهم لاحقًا في الجامعات بشكل اعتيادي وإيجاد وظائف تناسب ظروفهم وتعينهم على الإعتماد على أنفسهم وتحويلهم إلى أشخاص منتجين ومستقلين ماديًا وفي مختلف نواحي الحياة.

وأذكر في طفولتي أنه تمت تجربة دمج المكفوفين في مدرستي لمدة عام دراسي كامل ولكنها بكل أسف لم تستمر، فكان لهم صفوفهم الخاصة في نفس المدرسة إلى جانب حصص دراسية مشتركة بيننا لكن ذلك لم يكن كافيًا.

وبكل أسف لا تتوفر على سبيل المثال في وسائل الإعلام العربية أي برامج للصم والبكم سوى نشرات الأخبار في بعض القنوات الفضائية وكأن الثقافة والترفية والبرامج الوثائقية لا تعنيهم، عدا عن أن المدارس الخاصة بتعليم العديد من الفئات الخاصة مرتفعة التكاليف بشكل كبير لا يناسب أغلب الناس ويشكل عبئاً ومشكلة حقيقية حتى للميسورين.

وبالمقابل فإن العديد من الدول قامت بإنشاء مكتبات رقمية ضخمة للمكفوفين في شتى الموضوعات، فساهمت في إيصال المعرفة لهم وجعلتهم قادرين على مواكبة التطور التكنولوجي، وتوجد أيضاً طرق مجهزة بحيث يستطيع أي منهم استخدام المرافق العامة والمواصلات دون الحاجة إلى أحد، وفي انتظار أن يتم تغيير الواقع إلى بعض مما تم ذكره.

فإنه لا مانع من أن يتم تعليم الأطفال بعض المبادىء عن لغة برايل للمكفوفين أو علامات رئيسية في لغة الإشارة ليتم تثقيفهم باكرًا بهذا الخصوص أو توعيتهم عن مشاكل أخرى لأطفال في مثل سنهم كالتوحد واضطراب فرط الحركة وصعوبات النطق ليتم تسهيل تعاملهم معهم مستقبلاً واستيعابهم وتدريبهم على فهم اختلافات الآخرين كي يصبح الوضع أكثر سهولة لاحقاً، وليتم توسيع آفاقهم وادراكهم بأن الحياة مليئة بالنماذج المختلفة والجميلة وفهمهم بأن فكرة (الآخر) لا تعني بالضرورة أنه سيء لأن الجمال يكمن في التنوع والاختلاف ولا تعني أيضاً أنه بعيد عنا بل قد يكون المختلف الجميل أحد أفراد عائلتنا ومن يكمل أشياء تنقصنا دون أن ندري وكأنه مرآة لأرواحنا.

الآخر.. الجميل المختلف والقريب

بقلم| خالد جهاد الملخ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى