مقالات وآراء

مفهوم أمن الطاقة وإشكالية التعريف

مفهوم أمن الطاقة – تعتبر الطاقة عنصرًا أساسيًأ من عناصر النمو الإقتصادي والإستدامة البيئية، إذ يقر الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة “ضمان حصول الجميع بتكلفة ميسورة على خدمات الطاقة الحديثة الموثوقة والمستدامة”.

بالإضافة إلى ذلك، تحتل موارد الطاقة أهمية قصوى في تشكيل ملامح المشهد الجيوسياسي، ولها إنعكاسات بالغة الأهمية على العلاقات الدولية، حيث كانت ولا تزال مصدرًا للأزمات والحروب الإقليمية، إذ لا يمكن تصور إستمرار رفاهية الدول الصناعية دون ضمان إمكانية الوصول إلى موارد الطاقة المختلفة.

من هنا أضحى مفهوم أمن الطاقة ضمن مقاربات الأمن الدولي والعلاقات الدولية واستراتيجية القوة الناعمة للدول الحريصة علي الارتقاء بدبلوماسيتها العامة.

ومفهوم أمن الطاقة أحد ركائز المفاهيم الأمنية التي بدأت تتشكل وتأخذ مكانتها ضمن العديد من المتغيرات التي تلت حقبة ما بعد الحرب الباردة، وأصبح شأنه شأن العديد من المحددات التي تشكل مضمون السياسات الخارجية للدول.

فقد أدى الطلب المتزايد على موارد النفط والغاز من البلدان المتقدمة والنامية إلى إلحاح تضمين “أمن الطاقة” في أنظمة الأمن الوطنية والإقليمية والدولية.

وأصبحت استراتيجيات السياسة الخارجية للعديد من البلدان، تتعامل مع قضايا أمن الطاقة وتطوير البنية التحتية للطاقة وتشکيل نظام طاقة مشترك کعوامل جيوسياسية رئيسية.

بل ذهب بعض الباحثين إلى التأکيد على أن مفهوم “أمن الطاقة” نفسه ظهر نتيجة العلاقات الصراعية والتنافسية بين الدول التي تؤدي إلى إدراك أهمية تأمين احتياجات الدولة من الطاقة.

في ضوء ما سبق ذكره، وتماشيًا مع التأكيد على أهمية المفهوم على كافة المستويات الوطنية والإقليمية والدولية لما لها من أبعاد سياسية وتنموية تمس مصالح معظم بلدان العالم، قامت الوكالة الدولية لأمن الطاقة -والتي تتخذ من الولايات المتحدة الأمريكية مقرا لها -بتاريخ ٩-٦-٢٠٢٢ بتدشين ذراعها البحثي “مركز سيف بن هلال لدراسات وابحاث علوم الطاقة”.

ويعمل المركز من أجل دراسة المخاطر والفرص في مجال “أمن الطاقة” على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية من خلال البحث العلمي والتحليل لتصبح الطاقة إحدى أدوات التعاون الدولي وقوته الناعمة “soft power” بديلاً عن كونها أداة من أدوات الصراع من خلال التأكيد على مبدأ الترابط المتبادل بين الدول المصدرة للطاقة بكافة أشكالها والدول المستوردة والمستهلكة لها لتكون وسيلة من وسائل تحقيق التقدم والتنمية الشاملة.

وإحدى القضايا الإشكالية التي يطرحها مفهوم أمن الطاقة إشكالية تعريف المفهوم، فبرغم الكم الهائل من الدراسات حوله، فلا يزال هناك قصورًا في التناول، حيث يتم التركير على جانب إحادي فقط، الجانب الاقتصادي أو الفني دون غيره هذا من ناحية.

من ناحية ثانية، نجد أن المنظمات الأممية طرحت تعريفات مختلفة للمفهوم، وهناك أيضًا تعريفات طرحتها الدول.

وهنا نجد أن المفهوم يتم تفسيره بشکل مختلف من قبل مجموعات الدول المستوردة والأخرى المصدرة للطاقة.

وبالتالي يختلف المفهوم بناء على نطاق مصالح الفريقين، فلکل دولة تصورها الخاص للطاقة، حيث تختار الحکومات مفهوم أمن الطاقة الذي يبرر سياستها.

هنا، ينبغي التعرف على ماهية المقصود بمفهوم أمن الطاقة من منظور المنظمات الدولية من ناحية، وطرح الدول للمفهوم، في واقع الأمر لا يوجد تعريف محدد، إذ تتعدد التعريفات، ويمكن بيان ذلك على هذا النحو:

تُعَرِّف وكالة الطاقة الدولية المفهوم “بأنه التوافر المستمر وغير المنقطع لمصادر الطاقة بأسعار معقولة وفي الوقت المناسب وبشكلٍ مستدامٍ”.

ونعرف نحن في الوكالة الدولية لأمن الطاقة مفهوم أمن الطاقة بأنة: الحفاظ على سلامة مصادر  الطاقة المتنوعة وضمان سلامة مصادر الإنتاج وضمان سلامة وصول منتجات الطاقة الي مستخدميها.

وانطلاقا من هذه التعاريف، نجد تباينا في المفهوم على المدى البعيد باعتباره وسيلة لإمدادات الطاقة في ظل التنمية الاقتصادية والمتطلبات البيئية، وأمن الطاقة على المدى القصير باعتباره طريقة لتمكين نظام الطاقة الحالي من الاستجابة الفورية للتغيرات المفاجئة في التوازن بين العرض والطلب.

ومن الجدير بالذكر، أن أمن الطاقة على المدى القصير والبعيد يتطلب مجموعة متنوعة وشاملة من المبادرات والسياسات المتوافقة لتلبية الأهداف الخاصة بالسوق وضمان مسار آمن لتوفير مصادر الطاقة. 

ونجد الأمم المتحدة تعرف أمن الطاقة بأنه: الحالة التي تكون فيها إمدادات الطاقة متوافرة في كل الأوقات وبأشكال متنوعة ومتعددة وبكميات كافية وبأسعار مناسبة ومعقولة.

وبذلك فإن قضايا الأمن الطاقوي تتأرجح بين وفرة الإمدادات وفي كل الأوقات وبأسعار مناسبة، ويعد هذا المفهوم مفهومًا تقليديًا يخدم مصالح المستهلكين للطاقة لصالح المنتجين لها.

في حين حددت المفوضية الأوربية أربع دعائم رئيسية يستند إليها أمن الطاقة الأوروبي:

  • العمل على التنويع في مصادر الطاقة، وهو الأمر الذي من شأنه التقليل من التبعية لمورد أو لدولة معينة.
  • إدارة بند الطلب عن طريق طرح مفاهيم مختلفة تتعلق بمبدأ كفاءة استخدام الطاقة وبهدف تخفض استهلاك الطاقة علي قدر الإمكان.
  • إدارة قوية والتحكم بالعرض الخارجي عن طريق الدخول في شراكات قوية مع الدول الرئيسية والتي يعتمد عليها الاتحاد الأوروبي في تأمين متطلباته من النفط والغاز.
  • العمل على تجنب الأزمات في سوق الطاقة، عن طريق قناعة، مفادها أن تحقيق أمن العرض يتطلب بالضرورة أن تكون الأسواق منتظمة بصورة قوية حيث لا تتأثر بأزمات قدر المستطاع.

يحتل أمن الطاقة مكانا بارزا في أولويات السياسة الخارجية للدول، خاصة بالنسبة الدول المستوردة للطاقة.

حيث نجد في تصريح قدمه الرئيس الأمريكي السابق “جورج دبليو بوش” في مارس 2001 قال: بأن أمن الطاقه ينبغي أن يشكل أولوية في السياسة الخارجية الأمريكية.

وقد تبنى كبار المسئولين في دول صناعية مثل الاتحاد الأوروبي، روسيا، والصين نفس الرأي، مركزين على أهمية قضايا الطاقة ومدى تأثير توفر مصادرها على السياسة الخارجية للدول.

لأنه في غالبا ما تكون موارد الطاقة محددا أساسيا في توجهات السياسات الخارجية للدول، خاصة إذا تعلق الأمر بالدول المصدرة، خاصة وأن موارد الطاقة سببا أساسيا للصراعات والحروب التي عرفتها البشرية.

مفهوم أمن الطاقة الأمريكي

ويتمثل المفهوم العام لأمن الطاقة الأمريكي في العمل على خفض الاعتماد على موارد الطاقة التي يتم استيرادها من خارج الولايات المتحدة الأمريكية، عن طريق عمليات الترويج لأنواع مختلفة من الوقود المنتج محلياً، مثل الإيثانول، والعمل علي خفض المخاطر والصدمات السعرية عن طريق تنوع الموردين.

وتهدف الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاعتماد على البدائل البيولوجية للطاقة البديلة للوقود الاحفوري أحد أهم مقومات الأمن القومي الأمريكي.

مفهوم أمن الطاقة الروسي

ويستند المفهوم الروسي إلى مبدأ تحقيق أمن الطلب، وأسعار مرتفعة، والتزامات وإمدادات طويلة الأجل وبشكل مستدام، والوصول الآمن إلى الأسواق العالمية، خاصة إلى القارة الأوروبية دون الإعاقة من دول العبور.

والعمل على مد أنابيب الطاقة والغاز إلى قلب الاتحاد الأوروبي، والعمل بقوة على خلق توازن في أسواق الطاقة الروسية لمنع أن يكون الدب الروسي مقيد بسوق واحدة.

مفهوم أمن الطاقة الصيني

ويتبلور مفهوم أمن الطاقة الصيني على ضرورة تأمين واردات الطاقة بالتحرك على المسارين الداخلي والخارجي بهدف تنويع الإمدادات وتحقيق أمن الطاقة.

ومن خلال تحليل وفهم تلك المفاهيم السابقة، واختلاف مفهومها من دولة لأخرى، فمن الممكن صياغة تعريف مناسب للمفهوم وهو توافر الكميات المطلوبة في الأسواق العالمية بأسعار مناسبة ومستقرة ومستدامة.

مع ضرورة العمل على تنمية مصادر الطاقة المتاحة، من خلال التكنولوجيا، مع البحث عن مصادر جديدة تلبي الحاجة المتزايدة للطاقة، إلى جانب ترشيد استخدام الطاقة، وتوافر الضمانات المناسبة للحفاظ على البيئة.

في واقع الأمر، أنه ينبغي التأكيد على أن  قضية أمن الطاقة تجمع بين العديد من المتغيرات والعوامل الاقتصادية والسياسية والأمنية والبيئية والإستراتيجية..إلخ، مثيرة بذلك جملة من التحديات الجيوستراتيجية علي كافة المستويات الداخلية والإقليمية والدولية.

وهو ما يتماشى مع المفهوم الجديد للأمن الطاقه، والذي يشمل المجالات البيئية والأمنية والسياسية، بالإضافة إلى الجوانب الاقتصادية، وهذا ما سيقوم به مركز سيف بن هلال لدراسات وأبحاث وعلوم الطاقة خلال المرحلة القادمة.

مفهوم أمن الطاقة وإشكالية التعريف

بقلم| سيف بن هلال الشحي

مدير مركز سيف بن هلال لدراسات وأبحاث علوم الطاقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى