محمد نجيب الشافعي يكتب: “أما بعد”.. رب صدفة خير من ألف ميعاد
الشباب هم بناة المستقبل ونواة المجتمع الأساسية، وهم سبب قوة المجتمع ونهضته، حيث يعدون عنصرًا أساسياً لتقدم الشعوب وتطورها، فالمجتمعات التي تمتلك نسبةً كبيرةً من هذه الفئة تعد من المجتمعات القوية.
الصدفة في حياة كل شخص من الممكن أن تحدث تغييرًا كبيرًا له، تلك الصدف المدبرة من المولى عز وجل، لم تخلق عبثًا ولكن لحكمة يعلمها المولى عز وجل.
الإنسان الذي يستطيع استغلال الصدف لحلمه إنسان ناجح بلا شك، والإنسان الذي لا يرى إلا حلمه ويؤمن بقدراته، وأن الله عز وجل لم يخلق الإنسان مسير بل مخير، سيصل لحلمه بتعبه ومجهوده، وقبلهم توفيق المولى عز وجل.
شخصية مقالنا اليوم لعب القدر والصدفة دورًا هاماً ليصل إلى ما يريد، هو “حسن محمد علام” مؤسس لكبرى شركات المقاولات في مصر والوطن العربي.
حسن علام، الشاب المصري البسيط الذي لم يُكمل تعليمه، ولكن كل هذا لم يُبعده عن حلمه والذي سعى له في صغره لإيمانه الشديد بأن من سعى وراء حلمه سيصله في نهاية المطاف.
ولد حسن علام في بورسعيد، في مارس 1903م، وانتقل بعد ذلك إلى مدينة المنيا في صعيد مصر مع عائلته.
كان والده يمتلك متجراً صغيراً تباع به مواد البناء، بما في ذلك البلاط والسيراميك المستورد من بريطانيا العظمى آنذاك.
في عام 1923م، في سن الـ 19، هاجر إلى القاهرة حيث شكل شركة رسمية للمقاولات الصغيرة.
وفي عام 1936م، أسس “حسن محمد علام وشركاه للمقاولات العامة” كشركة توصية بسيطة على الرغم من أنه لم يتلق أي تعليم رسمي في مجال البناء، إلا أنه كان لديه خبرة إدارية وفنية كبيرة، كما كان أيضًا ذو شعبية على نطاق واسع مع عمال البناء والمهندسين.
في عام 1938، بينما كان الملك فاروق في طريقه إلى الإسماعيلية أصيب في حادث سيارة، وتم نقله إلى قرية قريبة من القصاصين ليتم علاجه في منشأة طبية صغيرة.
نتيجة لهذا الحادث، أمر الملك أن يتم بناء مستشفى في المنطقة، وأمر بأن يقوم بالتنفيذ فورًا أي مقاول من منطقة القناة، وكأن القدر يخدم حسن علام الشاب الذي يسعى وراء حلمه.
كان هذا المشروع الكبير من نصيب حسن علام، ووضعه على خريطة قطاع المقاولات المصري، وبنيت مستشفى القصاصين في شارع على الطريق الزراعي الواصل من القاهرة إلى الإسماعيلية.
وتوالت العقود بعد ذلك و شملت مستشفى في بورسعيد، ومحطة كهرباء في دمنهور، وأول مصفاة مصرية لتكرير النفط في السويس.
بدأت شركته في التنافس بجدية مع العبد باشا وأحمد بكير (مقاول طرق)، وعلي إبراهيم باشا (الذي بنى مبنى التلفزيون ومجمع مكاتب التحرير في القاهرة).
وفي نهاية المطاف أصبحت الشركة واحدة من أكبر الشركات في مجال البناء في البلاد جنباً إلى جنب مع شركة المقاولون العرب عثمان أحمد عثمان.
بعد ثورة 1952، واصلت الشركة ازدهارها وأنشأت عدداً من الطرق الرئيسية مثل الإسماعيلية-العريش، السويس -مرسى علم، والإسكندرية- مرسى مطروح، و طرق سريعة أخرى.
وتم الإنتهاء من العديد من المشاريع أيضًا في بورسعيد التي اشتملت على كاتدرائية كبيرة ومسجد.
وقبل بناء السد العالي في أسوان، كانت الشركة مسئولة عن بناء مجتمع جديد للشعب النوبي لتهجيرهم من المنطقة التي أصبحت في وقت لاحق بحيرة ناصر.
في عام 1961، تم تأميم الشركة بموجب السياسات الإشتراكية الجديدة للرئيس جمال عبد الناصر و سُميت النصر العامة للمقاولات – حسن محمد علام، وفقد حسن علام ملكيته للشركة وأصبح مديرها العام.
في عام 1975، مستفيداً من سياسات الإنفتاح التي انتهجتها حكومة الرئيس أنور السادات، أنشأ شركته الثانية – أبناء حسن علام، وبعد فترة وجيزة.
قدمت الشركة الجديدة عرض لتنفيذ مشروع شبكة الصرف الصحي في مكة المكرمة، بالمملكة العربية السعودية، لكن حسن علام لم يعش ليرى نتيجة المناقصة.
فقد عقدت جنازته في مسجد عمر مكرم في ميدان التحرير، وحضره الآلاف من المشيعين، وتواصل الحشد ليمتد من المسجد وصولاً إلى رمسيس هيلتون تقريباً.
في الختام، إياك أن تتخلى عن أحلامك ولكن أسعى وأجتهد ولا تتوقف عن حلمك حتي لو بات الأمر لك أنّ حلمك مستحيل.
عزيزي القارئ الكريم، سنتاول في مقالنا الأسبوعي، نماذج مصرية مشرفة في مجالات مختلفة، وسنطلق مبادرات لتنمية ودعم الشباب، وذلك تحت عنوان ” أما بعد”.
رب صدفة خير من ألف ميعاد
بقلم| المهندس محمد نجيب الشافعي