منارة الإسلام

اتهام الناس بالباطل وحكمه وأهمية التثبت والتبين في حياة المجتمعات

حرصت الشريعة الإسلامية على إقامة القسط والعدل بين الناس جميعا، وعلى التثبت والتبين، وعدم اتهام الناس بالباطل ودون دليل، ولأجل ذلك، أرسل الله الأنبياء والرسل وأنزل عليهم الكتب كما قال ربنا “لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط“.

اتهام الناس بالباطل

لتحقيق العدل بين الناس وعد اتهامهم بالباطل، قرر أهل العلم عددًا من القواعد منها على سبيل المثال: “الأصل براءة الذمة“.

الإنسان بريء مالم تثبت إدانته أو اتهامه وتجريمه دون بينة ولا دليل، وبناءً على ذلك فأنه لا يجوز لأحد أن يتهم أحدًا أو يخوض في عرضه أو يتكلم في حقه دون تبين أو بينة.

كفلت الشريعة الإسلامية الغراء حماية الأعراض وعدم اتهام الناس بالباطل ووضعت الضمانات الوقائية لذلك، هذه القواعد البناء الذي صنعها الله بيده ونفخ فيها من روحه.

أكدت الشريعة الإسلامية على أهمية التبين في حياة المجتمعات، وذلك لصيانتها من الوقوع فيما يهدد استقرار وأمن المجتمعات، وتعالوا بنا بداية نقف مع بعض المصطلحات التي سنتناولها في هذا المقال تعميما للفائدة.

  • التهمة

لم ترد لفظة التهمة في نصوص القرآن الكريم صريحة، انما جاءت بألفاظ متقاربة مثل، “البهتان، والأفك، والرمي”، أما التهمة فهي تعرف بأنها الظن، تقول اتهمت فلانا تهمة ظننت فيه ما نسب إليه وجمعها تهم.

ورغم أن الظن يحتمل أن يكون ظنا حسنا أو قبيحا، لكن عند إطلاق لفظة التهمة لا يراد بها إلا المعنى الثاني، ومنه قول النبي صلي الله عليه وسلم “أما أنى لا أستحلفكم تهمة لكم ولكنه أتانى جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة“.

إن كلمة التهمة في الحديث مطلقة، وهي تعني القدح كما دل عليه السياق، فالفظة التهمة تدور حول الظن الذي ينزل عن درجة اليقين، وفيه نسبة نقص عند الإنسان على وجه القدح والذم.

فهي لم ترد في سياق القرآن الكريم وجاء بالفاظ متقاربة في المعني مثل، البهتان وجاءت في أكثر من موضع، قال تعالي: “وأن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآئتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا” سورة النساء.

  • البهتان

البهتان هو الكذب والمقصود منه هو اتهام الناس بالباطل وبما ليس فيه، قال الإمام السيوطي: البهتان والافتراء اختراع قضية لا اصل لها، وقال بن الاثير/ البهتان هو الكذب والافتراء الباطل الذي يتحير منه.

  • الإفك

هو بمعنى قلب الحقائق، وجاءت لفظة الإفك في قصة براءة السيدة عائشة في سورة النور، قال الله تعالي “إن الذين جاءوا بالافك عصبة منكم“.

  • الرمي

يقصد به الرمي على الحقيقة، كما في قوله تعالي “وما رميت إذ رميت ولكن الله رمي”، وإذا كان في الكلام فهو كناية عن السب والشتم والقذف، قال تعالي “ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرمي به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا“.

قد يهمك.. داعية إسلامي يوضح حكم زيارة أضرحة أولياء الله الصالحين والتبرك بها

آيات قرآنية عن اتهام الناس بالباطل

إن اتهام الناس بالباطل ورميهم بالباطل كبيرة عظيمة وجريمة منكره، قال تعالي “إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ“.

إن رمي الناس وإتهامهم جعله النبي صلى الله عليه وسلم من أمر الجاهلية، قال صلي الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: “أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والأستسقاء بالنجوم والنياحة“.

ورمي الناس بالباطل مقرون بالشرك، قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي “لا تشركوا بالله شيئا ولاتسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله“.

البهتان واتهام الناس بالباطل من أكبر الكبائر، روى البخاري عن أبي بكرة رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ألا انبئكم بأكبر الكبائر، قلنا بلى يارسول الله قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس فقال ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور، فما زال يقولها حتى قولنا لا يسكت“.

اتهام الناس بالباطل من المهلكات، روى البخاري ومسلم قال صلى الله عليه وسلم “اجتنبوا السبع الموبقات” ثم ذكر النبي صلي الله عليه وسلم منها “قذف المحصنات الغافلات المؤمنات“.

عقوبة الاتهام بدون دليل

إن حكم اتهام الناس بالباطل في الدنيا والآخرة، إذا قذفهم أو أتهمهم او سبهم بالزنا والفاحشة، فإن الله تعالي حدد له العقوبة في الدنيا.

قال تعالى “والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون“.

رتب الله ثلاث عقوبات لهذا البهات الذي رمى وسب وقذف دون بينة أن يجلد ثمانين جلدة، وأن ترد شهادته ويصبح معلوما بين الناس بالفسوق، ومنبوذا في مجتمعه.

حكم اتهام الناس بالباطل

أما حكم اتهام الناس بالباطل في الآخرة فعقابه في قبره دار البرزخ كما بين النبي صلي الله عليه وسلم حين قص ما رآه في ليلة الإسراء والمعراج.

قد يهمك.. حكم التفكير بالانتحار

قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد “لما عرج بي ربي مررت بقوم لهم أظافر من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم“.

ومن العقاب النتظر للبهات في الآخرة قول النبي صلى الله عليه وسلم، فيما رواه البخاري ومسلم “الظلم ظلمات يوم القيامة“.

قال أهل العلم، الحديث علي ظاهره فسوف يكون ظلمات على البهات المغتاب الظالم للنفسه وللناس، لا يهتدي يوم القيامة سبيلا، حتى يسعى نور أهل الإيمان بين أيديهم وبايمانهم.

ومن عقاب اتهام الناس بالباطل الذي ينتظرهم فيما رواه مسلم، قال صلى الله عليه وسلم “من قذف مملوكه بالزنا يقام عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون مثل ما قال“.

ومن عقاب اتهام الناس بالباطل الذي ينتظر هؤلاء توعد النبي بعدم دخول الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم” “لا يدخل الجنة نمام“.

ومن العقاب الذي ينتظر هؤلاء أفلاسهم يوم القيامة: كما قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: “أتدرون من المفلس، قالوا إن المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال إنَّ ‌الْمُفْلِسَ ‌مِنْ ‌أُمَّتِي يَأْتِي يومَ القِيَامَةِ بِصَلاةٍ وصِيَامٍ وزَكَاةٍ ويَأْتِي قَدْ شَتَمَ هذا وقَذَفَ هذا وأَكَلَ مَالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا وضرب هذا فيعطى هذا مِنْ حَسَنَاتِهِ وهذا مِنْ حَسَنَاتِهِ فإنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عليهِ، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ“.

بقلم| الشيخ محمد القويسني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى