مقالات وآراء

أحمد حنتيش يكتب: الحوار المؤجل من البساتين إلى أرض اللواء!

كنت في زيارة لصديق في منطقة أرض اللواء، وهي منطقة شعبية مجاورة لحي الدقي يقطنها ما يقرب من مليون شخص.

 

تجولت خلال الزيارة بالمنطقة المشابهة في تفاصيلها كل الأحياء الشعبية في مصر، وتخيلت لحظات وجودي في الشوارع الجانبية أنني في شوارع حي البساتين، فهي نفس النمط العمراني، ونفس المشكلات التي تواجه السكان، من نقص حاد في خدمات الصحة والتعليم، والبنية التحتية، فضلًا عن سوء التخطيط، إلا أن تلك المعاناة التى يعيشها أهالي الأحياء الشعبية لم تمنع وجوه الناس من الإبتسامة، فهم بسطاء، أذكياء، متقاربين، ومتكاتفين مع بعضهم البعض، لا أحد غريب فالكل عائلة واحدة، وهي الروح التي لا تسكن البساتين وأرض اللواء فقط، بل هي الثمة الغالبة في كل الأحياء الشعبية في مصر.

 

الناس في الأحياء الشعبية عموما تحسبهم للوهلة الأولى غير منخرطين في الشأن العام، وعندما تبدأ بالحديث معهم تكتشف قدر مميز من الثقافة والوعي والقدرة على اقتراح حلول للمشكلات ورسم السياسات ربما لا تتوفر في بعض المسؤلين في الدولة، الناس في الأحياء الشعبية لديها تصورات للمستقبل وآمال عظيمة، ينقصهم المعلومات وتمكينهم من المشاركة في عملية تخطيط محلي لمناطقهم.

 

لا أتخيل مثلًا أن تناقش الموازنة العامة للدولة بمعزل عن الناس، والنقاش هنا يفيد الدولة ويفيد المواطن، ويجعل المسؤولية مشتركة، ولا شك أن المجهود الحكومي تجاه إتاحة المعلومات للمواطنين محدود جدًا.

 

في المقابل كنت اتخيل أن يمارس نواب البرلمان دورهم في مشاركة المواطنين بفتح نقاش مع أهالينا في كل منطقة حول الموازنة وبنودها وحجم الدين وتمويل التعليم والصحة وكافة الخدمات في كل منطقة.

 

الناس في البساتين مثلًا تريد أن تعرف حجم مساهمتهم في الاقتصاد وفي الناتج المحلي الاجمالي؟، حجم مساهمتهم في الضرائب والرسوم التي تحصلها الدولة؟ وكيف توزع المخصصات على المحافظات؟ وحجم الإنفاق علي الخدمات التي تقدم لهم؟ وهل الـ6 ملايين جنيه المخصصة لميزانية الحي نسبة مقبولة مقارنة بما يساهم به الحي في الاقتصاد؟ كيف تنفق تلك النسبة؟ وهل تلبي احتياجات الناس؟

 

ربما لو أشركنا الناس وأتيحت لهم المعلومات، استطاعوا أن يقترحوا حلول تساهم في عملية تنمية فعلية، فهم أدرى بشئونهم، وأكثر قدرة على التخطيط لمناطقهم وتحديد أولويات احتياجاتهم، ربما اختاروا أن يكون في حي البساتين أول مدرسة في مصر لتعليم فن النحت، أو قرروا استغلال المساحات التي تحازي الطريق الدائري في زراعة غابات شجرية تحد من خفة التلوث بدلًا من الكتل الخرسانية التي باتت تحاصرهم من جميع الاتجاهات، أو أنشئوا شركة مساهمة لجمع القمامة وتدويرها، أو أو أو.

 

كلها حلول ستأتي إذا أوجدنا حالة الحوار الفعال، ووفرنا مناخ مشجع للمؤسسات الوسيطة، واّمنا أن المجتمعات هي التي تبتكر وتنتج وتقود قاطرة التنمية وليس الحكومات، وعلى الدولة هنا أن تستمع لهم وتعيد تقييم خططها وإنفاقها.

 

بقلم-أحمد حنتيش

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي بوابة القاهرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى