مقالات وآراء

عذرًا لقد وقعت في مغالطة منطقية!

عذرًا لقد وقعت في مغالطة منطقية!، جملة قد تسمعها كثيرًا أثناء الحوار مع أحدهم، ممن يزعم بأنه مثقف، أو محب للفلسفة والمنطق ومهتم بعلوم النفس والاجتماع، فماذا يُقصد بها؟ وهل هناك ضرورة تحتم عليك معرفة تلك المغالطات؟ وكيف يمكنك تجنب الوقوع بها!

في إحدى الغرف الموجودة على تطبيق الدردشة الصوتية (Clubhouse) تابعت أحد النقاشات الثنائية بين شخصين، حول حرية الرأي والتعبير، بدا لي أحدهما متعصبًا لفكرة ما، بينما الآخر كان هادئًا متزنًا يحاول طرح فكرته بطرق مختلفة، مستعينًا ببعض المهارات المكتسبة من الفلسفة وعلوم النفس لإدارة النقاش، لكن أكثر ما لفت إنتباهي في النقاش هو استخدامهم الكثير جدًا لجملة “عذرًا عزيزي، لقد وقعت في مغالطة منطقية تُسمى..”، تعددت المسميات والهدف واحد في نهاية الأمر، وهو محاولة نيل أحدهما من الآخر، والفوز بالنقاش لصالحه.

تعجبت قليًلا لأنني في حقيقة الأمر لم أسمع إلا سيل من المغالطات المنطقية من كلا الطرفين، ولكن الفرق –كما بدا لي- أن أحدهما على علم بها لذا ناجح في أن يستخدمها لصالحه، بينما الآخر يبدو وكأنه يرددها دون علم! لذا..

ما المقصود بالمغالطة (Fallacy)

للإجابة على هذا السؤال يجب أن نعرف ما هو المنطق؟ بكل بساطة يمكننا تعريف المنطق على أنه قانون التفكير والمعرفة الصحيح، أو إنه الإنتقال من المجهول إلى المعلوم عبر بعض العمليات الذهنية والإدراكية.

مهمة المنطق أن يصل إلى النتيجة عن طريق منهجية لا تقبل الجدال أو الشك، لأنها تستند إلى مقدمات (معطيات) مرورًا بالاستدلال الذي بدوره يقوم بتفكيك تلك المقدمات واختبارها على أرض الواقع وحقائقه المثبتة، حتى يصل إلى نتيجة تشبع فضول العقل بنسبة كبيرة.

لذا فإن المغالطة كما وصفها الكاتب الجزائري “يوسف صامت بوحايك” في كتابه “رجل القش – الدليل المختصر للمغالطات المنطقية والإنحيازات الإدراكية”: هي التشوه الذي يصيب تلك المنهجية الفكرية، لينتج عنه خلل واضح في النتيجة لا ينتبه له الواقع فيه.

لماذا تحدث المغالطات المنطقية؟

هناك أسباب عدة للوقع في المغالطات المنطقية أبرزها: (الدوجمائية – العاطفة – مركزية المعتقد – مركزية العرق – الكسل المعرفي..)، فعندما تتمحور أفكار الإنسان حول شيء ما دون الآخر، يبتعد كثيرًا عن منهجية المنطق في الوصول إلى الحقائق.

هل هناك ضرورة تحتم على الفرد أن يكون على علم بالمغالطات المنطقية؟

في رأيي نعم، هناك ضرورة تحتم عليك معرفة منهجية المنطق في التفكير، ثم الإطلاع على المغالطات المنطقية، خاصةً إذا كنت شخص مؤثر في عدد من الناس، أو تعتاد الدخول في نقاشات، لكونها شئ من الممكن أن يتسبب في ضعف حُجتك وموقفك، بل من الممكن أن تكون سببًا في إظهار رأيك وقضيتك بمظهر هش.

أنواع المغالطات المنطقية

لا يمكنني ذكر جميع المغالطات المنطقية في مقال واحد، ولكن سوف أنتقي منها ما أراه شائعًا، مع تقديم نبذة مختصرة وبسيطة عن كل مغالطة.

  • 1- مغالطة (المغالطة MetaFallacy)

قصدت البدء بتلك المغالطة لأنها الأكثر شيوعًا، ولأنها صادمة لمن يعتقدون بأنهم بمنأى عن الوقوع في مغالطات منطقية لكونهم يعرفون بعضها، والحقيقة أن الاستعراض المعرفي يوقعك في أكبر المغالطات المنطقية، أبرزها مغالطة المغالطة، وهي أن تعتمد على وقوع الآخر في مغالطة منطقية سواءً كان ذلك عن عمد أو عن جهل، ومن ثم تبدأ من هذا المنطلق بالبرهنة على أنه مخطئ بالضرورة، وأن رأيه وقضيته لا أساس لهم من الصحة فتتجاهل مضمون مقصده، وترفض قبول النتيجة التي توصل لها بإمكانياته البسيطة.

  • 2- مغالطة رجل القش (Strawman Fallacy)

الشخص الواقع في تلك المغالطة أحيانًا يكون متعمدًا الوقوع بها، أو إنه وقع فيها دون قصد لسوء الاستماع والتركيز، فهو يقوم بتشويه المقدمات التي تبني عليها حجتك ليأخذك في منحنى اضطراري بالحديث يجبرك فيه على أن تتحدث عن أمور وهمية ولا علاقة لها بالموضوع، وبالتالي يقوم باستنزاف طاقتك وإبعادك عن الموضوع الأصلي.

  • 3- مغالطة الهجوم الشخصي أو الشخصنة (Ad Hominem)

يعتمد الشخص فيها على ترك كل الحجج والمقدمات المنطقية، والتركيز على شخصك وتصرفاتك ليستدل بذلك على ضعف حجتك كأن يفترض مثلًا بأن ما تقوله هو إدعاء كاذب لكونك لا تطبقه على حياتك، لذا فهو رأي لا يؤخذ به بالضرورة لضعفه؛ على الرغم من أنك قد تكون غير قادر على تطبيقه لوجود معوقات عدة في حياتك.

  • 4- مغالطة التعميم المتسرع (Hasty Generalization)

التعميم نفسه لا يعتبر مغالطة، لأن المنطق نفسه يعتمد في “المنهج الاستقرائي Induction” على الانتقال من حالات خاصة إلى حالات عامة، ولكن يحدث ذلك من خلال التحليل والتفنيد ومحاولات الوصول لأسباب علمية/ منطقية لتطبيق الحكم الخاص على حالة عامة، ولكن التعميم المتسرع مغالطة لأنه يعتمد على العاطفة وليس على التحقق والبحث والمعرفة والتحليل للوصول إلى نتيجة منطقية لإطلاق أحكام عامة من حالات خاصة.

  • 5- مغالطة الاستدلال الدائري (Circular reasoning)

عندما نتناقش فنحن نبحث عن حقائق، ونحاول التأكد من صحة بعض الأمور، ونعتمد في ذلك وفقًا للمنطق على منهجية معينة تساعدنا في الوصول إلى نتيجة تُشبع فضولنا المعرفي، فيأتي شخص ليستدل على صحة ما يعتقده بما نحاول نحن في النقاش على إثبات صحته في الأساس! فمثلًا إذا كان النقاش حول “صحة احصائيات معدل الإصابات والوفيات بفيروس كورونا في العالم” فيأتي شخص ليخبرك بأن معدل الإصابات والوفيات في بلده ينخفض بالفعل ويستدل بذلك على الإحصائيات والبيانات الصادرة من وزارة الصحة التابعة لدولته، وهو ما تتناقشون في مدى صحته أصلًا!

  • 6- مغالطة الانحياز أو قناص تكساس (Texas Sharpshooter)

تتداول بين الشعب الأمريكي مزحة قديمة تفيد بأنه ذات يوم كان هناك رجلًا من تكساس ظل ساعات يطلق النار عشوائيًا على حائط، ثم يختار المنطقة التي أصابها عدد كبير من الطلقات ويرسم حولها دائرة الهدف، قاصدًا بذلك أن يقل الناس عنه قناص ماهر!، ما يفعله الواقع في تلك المغالطة هو ذاك الفعل بالضبط، فهو عادةً يبني آرائه في المجمل على الفرضيات التي تدعمها بغض النظر عن مدى صحتها وواقعيتها، وبغض النظر عن إذا ما كان هناك فرضيات وابحاث أخرى تدحض فرضياته أم لا.

  • 7- مغالطة الاحتكام إلى الجهل (Appeal to Ignorance)

ألاحظ وجود هذه المغالطة دومًا في النقاشات الوجودية، والحديث عن الغيبيات، فيرى بعض المؤمنين بأفكار وعقائد ما على أن التشكك والتساؤلات حول الوجود والعدم هي مجرد أفكار عبثية لأنه لا وجود لدليل عليها، على الرغم من أنه يستدل بذلك على أشياء لا وجود لها أيضًا إلا في عقله ووجدانه متأثرًا بها فقط.

  • 8- مغالطة الاستقراء العبثي أو الانحدار الزلق (Slippery Slope)

لعلك صادفت يومًا شخص ما يحذرك من القراءة في كتب الفلسفة مثلًا، لأنه يعتقد أن كل قارئ في الفلسفة سوف يصبح ملحًدا لا محالة! وهي مغالطة لأن لا علاقة لهذا بذاك، وإن حدث في بعض الحالات فيرجع ذلك لأسباب كثيرة فالفلسفة ليست في وضع إتهام مباشر بذلك، لكنه على أي حال يطلب منك أن تسد الباب الذي يأتي منه الريح تخوفًا من النتائج الذي يعتقدها هو.

  • 9- مغالطة الاحتكام إلى السلطة (Appeal to Authority)

بالتأكيد أن لكلٍ منا مرجعية ما يثق فيها لأسباب نفسية وعقلية، في السياق الاحتدامي الفكري بين التيارات المعاصرة، تجد أن البشر قد قسموا إلى نوعين: أحدهم مؤدلج أي يتبع فكر ما أو توجه ما –  تبعية عمياء، والآخر يرفض تلك التبعية سواءً كانت لرجال الدين أو الدولة أو العلماء أو الفلاسفة، ذلك المتأثر بتوجه ما، لا يستطيع تكذيب أو تفنيد أو التشكيك أو حتى التفكر فيما يصدر عن مرجعيته لذا يقع في تلك المغالطة.

  • 10- مغالطة الاحتكام إلى العاطفة (Appeal to Emotion)

تنبثق من تلك المغالطة عدد من المغالطات (مغالطة الاحتكام إلى الكراهية، الاحتكام إلى الفخر، الاحتكام إلى الصداقة، الاحتكام إلى الحسد، الاحتكام إلى الخوف، الاحتكام إلى الأطفال، الاحتكام إلى الضعف، الاحتكام إلى القوة، الاحتكام إلى رأي الاغلبية..).

العاطفة تجعل بعض الآراء والقرارات غير متزنة في غالبية الأحيان، لأنها لا تهتم كثيرًا بمنطقية المقدمات والاستدلالات التي تعتمد عليهم للوصول إلى النتائج، لذا يستطيع البعض اللعب بالمشاعر أو استغلالها كي يصل إلى ما يريد؛ كأن يلجأ البعض للخطاب الذي يدغدغ المشاعر ويؤثر في الوجدان لتوصيل فكرته وتحقيق هدفه بدلًا من الاعتماد على المنطق والأدلة الصحيحة والواضحة والمثبتة.

يمكنني الإكتفاء بهذا القدر من المغالطات الأكثر شيوعًا حسب ملاحظتي، ولكن هناك العديد والعديد من المغالطات التي ربما أكون قد وقعت أنا شخصيًا فيها أثناء حديثي عنها، ولكن ما وددت قوله أنه عندما ظهرت التنمية البشرية وكتبها، إلتف حولها الكثيرون ظنًا منهم بأن بها الخلاص من الفشل والتكاسل والإنطوائية والإضطرابات النفسية المختلفة، لكن في حقيقة الأمر أنت بحاجة لدراسة نفسك والآخرين والكون من حولك بشكل أعمق من هذا، وذلك إن أردت – فلا يمكن تنميط البشر بأي شكل من الأشكال، ولاتساع مداركك ولإدارة نقاش بشكل صحيح عليك أن تكون مؤهل لذلك وإلا فسوف تضر نفسك وقضيتك.

بقلم| هدى عبد السلام

كاتبة مصرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى