مقالات وآراء

بابا الإله.. بقلم جهاد رمزي

بابا الإله – المشهد العام مكون من أسرة متوسطة الحال من أب على المعاش وربة منزل وبنت كبرى يصغرها أربع أخوة من الذكور.

الأم هي نواة الأسرة، فهي الحنونة العطوفة الصديقة المحبة الحضن الدافىء لأسرتها، والأب هو سي السيد، الديكتاتوري العارف بكل شيء.

الأبناء في مراحل عمرية ودراسية مختلفة، متفاهمين ومحبين لبعضهم البعض، يخافون ويحاجون على أنفسهم كقلب واحد ضد أي غريب.

فهي أسرة مصرية بسيطة كمثيلتها من الأسر، ولكن المشكلة هنا تكمن في الأب المهيمن والمسيطر على كل شيء، الوحيد المتحكم في زمام الأمور كلها.

الأب الذي لا أحد يعلم الصحيح غيره، فهو المتحكم بهم في أسلوب الحياة، كمواقيت النوم والصحيان ونوع الأكل والملبس وماذا يرغبون!

هو المتحكم الوحيد في كيفية صرف الأموال وإدخارها، هو من يقوم بالتسوق وشراء كافة مسلتزمات البيت حسب رؤيته ووجهة نظره.

فعندما يريد أحد شراء ملابس جديدة، يقوم هو بشراء القماش وتفصيله حسب مزاجه، فإذا أرادت ابنته شراء “بنطلون” يفصل هو لها فستانا.

وعند تمزق أحد الأحذية يقوم هو بتفصيل غيره، وهو ليس على علم بطريقة تفصيله، لكنه لا يعترف بذلك، لآن تسلطه وغروره يمنعاه أن يقول “إنني لا أعرف عن هذا وذاك“.

وعندما يمرض أحد من أفراد الأسرة فيقوم هو بتشخيص المرض وشراء المسكنات، دون الاهتمام إلى أن ما يفعله خطأ من الممكن أن يؤدي إلى تفاقم حدة المرض.

وبالطبع لا تخلو كل هذه التحكمات من وجود قائمة كبيرة من الممنوعات والمحذورات مثلا، ممنوع اللعب أنت لست طفلا، ممنوع الخروج فالمذاكرة أفضل، ممنوع السهر لأوقات متأخرة، ممنوع التليفزيون فهو تضييع للوقت وهكذا.

فهو يريد أن يصبح الجميع مثله في القول والفعل، ولا يسمح بوجود أي اختلاف عن خططه التي يرسمها لهم حاليا ومستقبلا.

تصرفات بابا الإله

فهو لايسمح بالنقاش في أي شيء، لا رأي يعلو فوق رأيه الكل طواعيه، حتى إذا كانت الأمور ليست على ما يرام وسوف تؤدى إلى زيادة وجود المشاكل وتقودهم إلى الهاوية والتفكك الأسري.

يظن الأب أنه يقوم بهذا السلوك لأنه يحبهم كثيرًا ويخاف عليهم من الوقوع في الخطأ وتحت أيدي النصابين والمحتالين، ولكن هذا لا يعتبر حبا بأي شكل من الأشكال.

انما هو التسلط الممزوج بالقسوة في المعاملة، والمثيرة لتوليد دوافع الكراهية والغضب، وهو ما يتنافى مع حب وحنان الوالدين.

فالأم والأبناء الذين يشعرون بالتسلط من قبل رب البيت، يتولد لديهم الشعور بالاضطهاد والقهر، نتيجة استخدام هذه القسوة الشديدة.

فلن تتحمل الام كثيرًا هذا التجبر والظلم لها ولابناءها، مما يدعوها إلى الابتعاد عنه، واللجوء إلى الطلاق، وهي الخطوة الأولى في التفكك الأسري.

ولا يمكن للأبناء أن تتم نشئتهم في ظروف واجواء أسرية سوية، مما يؤثر ذلك على نفسيتهم ويمنعهم من تكوين شخصية متأثرين بتحكمات والدهم المستبدة.

فنوعية هذه الأباء لا تعلم أن الأبناء الذين يمارس عليهم التسلط والضغط المستمر يميلون إلى العدوانية وممارسة التسلط مع الآخرين في الخارج، نتاج القهر الممارس عليهم.

فهناك مقولة تؤكد أن “الكبت يولد الانفجار” فكل هذه الأساليب التربوية والمعيشية الخاطئة تؤدي بلا شك إلى التمرد والانفجار، مهما طالت مدة الخضوع والاستسلام يوماً ما سوف تتمرد الأم وابناءها على هذا الأسلوب الخانق المذل، وينتفضون بثورة من أجل حريتهم واستقلالهم.

ولكن احذر أيها المتسلط، فسوف تأتي هذه الثورة عليك بالسقوط المدوي، والدمار الأسري الذي لا يتبعه رحمة لك من أحد على الإطلاق، فأن تستفيق متأخرًا، وتفك الأسر، وتمنح الحرية لأفراد أسرتك، خير من أن تظل متقمص لدور “بابا الإله“.

بابا الإله

بقلم| جهاد رمزي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى