مقالات وآراء

هشام سليم وممدوح عبد العليم.. علامة شباب أسامة أنور عكاشة

ولفين ياخدنا الحنين لواحة الحيرانين”، تتر نهاية ليالي الحلمية، عجلة الزمن سريعة ومتقلبة، ظالمة غالبًا، منصفة أحيانًا، لكنه إنصاف عادةً ما يأتي متأخرًا، برحيل هشام سليم في عمر مبكر نسبيًا، ينضم لصديقه ممدوح عبد العليم والذي رحل منذ 6 سنوات عن عمر يناهز الـ60 عاما، فيتشابهان في المشوار الصعب، وإثبات القدرة المرهقة، والرحيل المبكر.

وبعد موجات نعي معتادة في هذه الظروف على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي ما تلبث أن تنتهي متبعة سياسة بماذا سنملأ صفاحتنا وصفحات مواقعنا ونلحق تريند كل يوم من أوله دون تحليل لمسيرة من مات أو تفسير ما يحدث بشكل واضح، وهذا دائمًا ما يتكرر.

هشام وممدوح بطلا أسامة أنور عكاشة، جيل الأبناء في ليالي الحلمية، ربما أن في أعمالهم مع أسامة ما ينطبع على حياتهم الفنية ذاتها.

حب شفيف، معاناة أبدية

مثل قصص الحب من طرفين، والتي عادةً ما تبدأ بإعجاب فإنجذاب فارتباط ثم تأخذ مآلاتها كما أراد القدر: عذابات أو سكينة.

فقصة حب ممدوح لآثار الحكيم في الحب وأشياء أخرى كانت تبدو أنها ستستمر حتى النهاية، فرح سرمدي، صعاب منتهية، كذلك قصة حب هشام لسمية الألفي في الراية البيضاء، كانت تبدو أن صعابها ستُمحى وينتصر الحب، ويعيش الجمال.

وتتشابه بدايات قصتي الحب مع بدايات عبد العليم وسليم في الفن:

نجومية مبكرة، موهبة متقدة، فبعد إمبراطورية ميم صار هشام سليم شابًا يافعًا، يمارس موهبته أمام عمالقة كمحمود المليجي وشكري سرحان في عودة الابن الضال، ثم بُعد اختياري عن الفن كما يقول هشام نفسه حتى جاء دوره في فيلم تذوير في أوراق رسمية.

وممدوح عبد العليم بعد مشاركته مراهقًا في مسلسل القاهرة والناس، حاز على دور جيد في صيام صيام وتبعه بأعمال جيدة أخرى كمسلسلي أخو البنات وأديب ودور مقبول في فيلم العذراء والشعر الأبيض.

بالعودة لقصتي حبهما في مسلسلي أسامة، نجد أن القصتان باءتا بالفشل الظاهر على الأقل، دون نهاية يوتوبية بانتصار الحب رغم الصعاب، فتخرج من المشاهدة وأنت حزينًا ساخطًا على أسامة أنور عكاشة أنه لا ينصر قصص حب شخصيات أعماله الطيبة، ولكن، على من سنغضب في مشواري ممدوح وهشام في السينما تحديدًا، والفني عمومًا؟

بين براثن جيلين

بداية الثمانينات، سنوات مرت على انفتاح السادات الاقتصادي، ثم اغتياله عام 1981، بالتوازي مع ذلك فرض جيل عظيم بقيادة الواقعية الجديدة، واقعية محمد خان وعاطف الطيب وكتابات بشير الديك ووحيد حامد، وشركاء آخرون، جميعهم يلتقون مع مواهب فذة كعادل إمام وأحمد زكي ومحمود عبد العزيز ونور الشريف، ونجوم أُخر سيطروا على قاعات عرض السينما وأدوار البطولة.

تقاطعًا مع ذلك، تحورت هوجة أفلام المقاولات من الأفلام التي كانت تُصنع في لبنان أو تعتمد على العري وخفة القصة، وسوء الصنعة في السبعينات، إلى أفلام الفيديو، التي تصور على عجل، وتُعبأ في شرائط الفيديو الذي بدأ ينتشر، لتُعرض للمصريين العاملين في الخليج.

وسط كل هذا الصخب، كان على هشام سليم، وممدوح عبد العليم المحاولة في شق طريقيهما، وانتزاع حقوق موهبتيهما.

مثلما كانا جيل الأبناء في مواسم ليالي الحلمية العظيمة، في شخصية علي البدري (ممدوح عبد العليم) وعادل البدري (هشام سليم) ومحاولات تمردهما على ظروف النشأة والظروف المحيطة، حاولا كذلك في السينما.

يحكي هشام سليم أنه بعد دوره في تذوير في أوراق رسمية لم يحدثه أحد بخصوص أي دور، فعمل في عدة أفلام دون جدوى، فعلى حد قوله كان انتشارا غير مهم،  صاحب شخصية حسني النعماني في أرابيسك، الذي تمرد على أخيه ليكون نفسه، فتمامًا فعل هشام ذلك في مشواره، فالجميع كان يراه يستطيع أن يفعل كل شيء: يمثل ويغني ويقدم استعراض، لكن لا أحد ممن أثنى عليه قدم له دورًا ليمثله، حد أنه لم يشعر بقدراته كممثل إلا في مسلسل أماكن في القلب (2005) لأنه – أخيرًا – أخذ مساحته، مثلما صرح هو نفسه في لقاء تلفزيوني.

بينما ممدوح عبد العليم لم يبتعد كثيرًا عن هشام، فعمل في أفلام المقاولات لعل دورًا جيدًا يأتي، لكن حتى عندما جاءت أدواره في البرئ ومشوار عمر وبطل من ورق، لم تعتمده السينما كنجم أول لها، فبينما كان هو وهشام شبابًا يستطيع تمثيل أدوار الشباب، كان يمثلها جيل عادل إمام وأحمد زكي وهم في أربعينيات عمرهم.

عانى جيل هشام وممدوح من فرض الجيل السابق لهم نفسه بموهبته وشباك الإيرادات. حتى عندما قام ممدوح بالاشتراك مع ماهر عواد وشريف عرفة في إنتاج فيلم سمع هس، يحكي ممدوح أن الكل كان متحفزًا لهم: “لما نشوف جيل الشباب دة هيعمل ايه”، ينطق ممدوح العبارة متهكمًا، تعبيرًا منه عن مدى التحفز وعدم الاكتراث بهم.

ويكمل أنه ظل لعام ونصف ينتظر لعرض الفيلم في دور سينما ملائمة هو يريدها، فحدث ذلك، ولكن وضعوا الفيلم وقت موسم امتحانات نهاية العام.

وبالطبع لم ينجح الفيلم جماهيريًا حينها، يقول ممدوح أنه لو نجح الفيلم كان سيغير مسار السينما، كان ذلك في نهاية الثمانينات، لاحقًا في نهاية العقد التالي، سينجح صعيدي في الجامعة الأمريكية لمحمد هنيدي وسيغير مسار السينما.

في التسعينات ومع بدء خفوت بعض نجوم الثمانينات وكبر سنهم ما لا يجعلهم متوافقين مع كل الأدوار، مما كان يمكن له أن يعطي فرصة لبزوغ ممدوح وهشام وجيلهم سينمائيًا، لكن هذا لم يحدث،  فلم تشفع لهم أدوارهم السينمائية الجيدة في سوبر ماركت وميت فل وتجارب مختلفة أخرى في السيطرة.

ثم جاء جيل الألفية وأخذ السينما لمسارٍ مختلف. فهل كان على ممدوح عبد العليم أن يتوائم مع الموجة والتنازل عن أفكاره مثلما فعلت شخصية علي البدري في ليالي الحلمية؟

بين الصدامية والدبلوماسية

كانت شخصية ممدوح عبد العليم الصدامية عكس دراسته للسياسة والاقتصاد، كان يعلن اعتراضه وغضبه في الصحف، لا يتجاهل الإساءات، لا يتوائم مع مجريات سوق الصناعة، ما جعله منبوذًا بشكل أو بآخر بحسبات السوق، وعكسه كان هشام سليم، رجل أنيق هادئ، فهل كان ذلك لمصلحته إن أخذنا بنفس مقياس ممدوح عبد العليم؟

الإجابة أيضا لا، فتم وصفه بالتعالي والغرور بل وذهبوا إلى أن شخصيته انطبعت على أعماله، لأن تمثيله هادئًا مغلفًا بكبرياء هشام نفسه، رغم أن هذه مدرسة تمثيل معتمدة، بطلها عادل إمام.

بحلول الألفية وصعود نجم جيل محمد هنيدي، تلاشت فرص ممدوح وهشام في أدوار البطولة السينمائية المستمرة، فدفعا ضريبة وقوعهم بين جيلين.

مرثية من جيل حالي لا يتحقق إلى جيل لم يتحقق

يرحل نجوم جيل الوسط المظلوم واحدًا تلو الآخر في أعمار قريبة صغيرة بمقياس ما، يرحل نجوم الثمانينات أو يمنعهم العجز عن العمل، يخذلنا جيل الالفية، فبعد ١٠ سنوات من الأفلام الخفيفة الحقيقية وما يعرف أيضًا بالسينما النظيفة، ظلوا لعقد كامل ويقتربون من نصف الآخر في الخذلان، بتجارب جيدة الصورة، رديئة المحتوى، أو ركوب موجات الترند المتتالية والمختلفة، ولأقتبس تعبيرا عذبا وحزينا من صديق لي: “تورتة وعليها رملة”، فهكذا تبدو أعمالهم.

نشاهد نحن جيل مواليد منتصف التسعينات كل هذا الحزن والخذلان، نعكسه علينا، نتحسس أماكننا منه، فنرانا لم نتحقق ولا نتحقق، لا شيء عاد يلهمنا، ولا أمل صار يولد.

بقلم| محمد طارق نجم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى