مقالات وآراء

حتمية العلم ولزوم الصناعة

العلم عين التقدم والصناعة ساقيه، حقيقة افتقدناها وأدركها الغرب فامتلكوا الزمن، وبقينا نحن نقف على هامشه وكأننا تعلقنا به سهوًا نتأرجح بين الوجود والعدم.

العلم يصنع للإنسان الغايات كالآداب والفنون والعلوم، والصناعة تصنع له الوسائل إلى هذه الغايات، ومن ثم أصبح التداخل والتكامل بينهما حتمي لا يقبل التجزئة.

الدليل على ذلك أن البحث العلمي صار عملية صناعية، فلولا صناعة المركبة الفضائية لعجز العلم عن اختراق الفضاء وفك ألغاز الكون.

كذلك انتشار الفكر والثقافة والآداب والفنون لم يزدهر إلا بصناعة المطابع والراديو والتليفزيون والسينما، حتى الزراعة تحولت بالمكينات الزراعية إلى عملية صناعية.

بالتالي أن العبور نحو المستقبل لا بد وأن يكون ملتحفا بالعلم والصناعة، لأنهما يعنيان تحرر الإنسان لما يمثله العلم من نافذته نحو المستقبل، وما توفره الصناعة من جهد ووقت وعمر، فتتحرر بهما الشعوب لما يمنحاه لهم من قوة وقدرة على مواجهة ما يخبئه المستقبل.

والتاريخ يحمل بين طياته ما يؤكد هذه النظرية، لآن جميع المستعمرات اعتمدت على الزراعة فقط، بينما كل الدول العظمى التي حفرت اسمها على جداريات التاريخ وهبت للعلم والصناعة في حياتها أكرم ركن.

لذلك لابد وأن نلقي معاصينا في البحر، ونغسل أجسادنا من الآثام الجسام، لنشعر بالانتعاش والتحرر، لابد وأن يغوينا العلم بلا نهاية، وأن تغوينا الصناعة من الشريان إلى الشريان، فأشد ظلم نوقعه على أنفسنا حين لا ندرك قيمتهما، وحين تتضاعف شهوتنا في الإستهلاك، فتلتهم وجودنا بلا أمل في إشباع قريب.

أن كل خطوة للأمام بدون دراسة وعلم هي بمثابة من يحرث في بحر، والعبرة بالتنفيذ لا بالنظريات، ندرك أن الآراء مهمة لكنها في بلادنا مكدسة وملقاة على الأرصفة.

حيث تحتاج لإرادة دولة وطموح شعب لتحيى من رقادها، وتصير صناعة تخدم وتقدم نفسها كمطية لنا للعبور نحو آفاق أفضل.

لم يعد الوقت يتحمل المنطقة الرمادية، وتضاعف احتياجنا لعصر الآمال العريضة والتطلعات الجريئة، جسورة الأحلام سواء أحلام النوم أو أحلام اليقظة.

أحلام تدرك أنه بدون العلم ستحوينا ضآلة التجربة، ويخنقنا ضيق الأفق، وتفنينا محدودية الخيال، وستتآكل أواصرنا مع المستقبل.

وبدون الصناعة سنفقد مقومات الوجود، ونكون عالة على العالم مهما تضخم عددنا، “فالعدد في الليمون”، ولن يشفع لنا هذا الغثاء أمام جبروت المستقبل، الذي لن يرحم مجموعة أحطاب جوفاء طافية فوق الماء الراكد، لن يرحمنا من امتلك القوة واقتات حتى التخمة نتيجة جهلنا وحاجتنا.

الضعفاء متنزه أقدام الأقوياء، وإن كانوا كالأموات لا يبغون إلا الأكفان، فإن هناك ديدان تنتظرهم وتشتاق إليهم لتصنع من أجسادهم مأدبة.

بقلم| مدحت شنن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى