سياحة القاهرة

قلعة صلاح الدين الأيوبي مَعلَم شاهد على تاريخ مصر

تعد قلعة صلاح الدين الأيوبي رمز تاريخي عريق وعظيم مر عليها الكثير من الإنتصارات العظيمة التي هزت العالم بأكمله.

وتُعد القلعة من أهم الأماكن الأثرية والسياحية في مصر، ومن أفخم القلاع الحربية التي شيدت في العصور الوسطى.

لماذا بنيت قلعة صلاح الدين الأبوبي

تسمى قلعة صلاح الدين باسم قلعة الجبل؛ لكونها بُنيت فوق مرتفع يتصل بجبل المقطم، بناها صلاح الدين الأيوبي لحماية القاهرة، ولتكون مقرًا لسكناه، ولذلك نسبت إليه.

وكتب العماد الأصفهاني كاتب صلاح الدين عن ذلك: “كان السلطان لما ملك مصر، رأى أن مصر والقاهرة لكل واحدة منهما سور لا يحميها، فقال: إن أفردتُ لكل واحدة سورًا؛ احتاجت إلى جنـد كثير يحميها، وإني أرى أن أدير عليها سورًا واحدًا من الشاطئ، وأمر ببناء قلعة في الوسط عند مسجد سعد الله على جبل المقطم”.

والمقصود بمصر هنا مدينة مصر التي تتكون من الفسطاط والعسكر والقطائع، والمقصود بالقاهرة مدينة القاهرة المعزية التي بناها الخليفة العبيدي الفاطمي المعز لدين الله بعد أن دخل مصر بعد عام 358هـ/969م.

صلاح الدين الأيوبي

حكم صلاح الدين الأيوبي أربعًا وعشرين سنة (565 – 589هـ/1169 – 1193م)، لكنه لم يقضِ منها سوى ثمانية أعوام في القاهرة.

على الرغم من قصر فترة حكم صلاح الدين فلم يترك من حكامها أحد مثل ما خلفه هذا السلطان العظيم من آثار رائعة لا زالت باقية، ومن أهمها القلعة التي تنسب إليه.

قصر صلاح الدين

تقع قلعة صلاح الدين الأيوبي في الحي الذي يعرف باسمها “القلعة”، وهو من أعمال قسم الخليفة بالقاهرة.

أقيمت القلعة على إحدى الربى المنفصلة عن جبل المقطم على مشارف مدينة القاهرة، حيث ترى من الطريق المعروف حاليا باسم صلاح سالم، الذي هو جزء من الطريق الدائري المقام حول مدينة القاهرة.

تعتبر القلعة من أهم الأماكن في مصر التي شهدت الكثير من الأحداث التاريخية وذلك في العصريين الأيوبي والمملوكي وزمن الحملة الفرنسية سنة 1798م، مثل ما عرف بمذبحة القلعة، وحتى تولي محمد علي باشا حكم مصر.

أسباب بناء قلعة صلاح الدين الأيوبي

وذكر المؤرخون عن سبب بناء القلعة أن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب لما أزال الدولة الفاطمية في مصر، لم يتحول من دار الوزارة بالقاهرة.

فأراد صلاح الدين الأيوبي حماية القاهرة من أي عدوان خارجي، وفي نفس الوقت حماية سلطانه من أي تمرد داخلي وبخاصة بعد قضائه على المذهب الشيعي الذي كان سائدًا منذ الدولة الفاطمية، وأحل محله المذهب السني.

أمر حينئذ بإنشاء قلعة هناك وأقام على عمارتها الأمير بهاء الدين قراقوش الأسدي فشرع في بنائها وبنى سور القاهرة الذي زاده في سنة 572هـ.

وهدم الأهرام الصغار التي كانت بالجيزة تجاه مصر، وكانت كثيرة العدد ونقل ما وجد بها من الحجارة، وبنى به سورًا يحيط بالقاهرة والقلعة وقناطر الجيزة.

وقصد أن يجعل السور يحيط بالقاهرة والقلعة ومصر، فمات السلطان قبل أن يتم الغرض من السور والقلعة.

وكان صلاح الدين قد غادر القاهرة متجها إلى الشام عام 579هـ/1183م قبل إتمام بناء القلعة وتحصينها وتوفي قبل عودته للقاهرة عام 589هـ/1193م ودفن في دمشق.

بعد 6 سنوات من لم يكتمل بناء القلعة كاملا، ويوجد نقش تذكاري على باب الجدار الغربي من القلعة يخلد هذا العمل.

يعرف هذا الباب باسم باب المدرج حيث توجد اللوحة التأسيسية للقلعة والمؤرخة بعام 579هـ/1183م، نصها: “بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بإنشاء هذه القلعة الباهرة المجاورة لمحروسة القاهرة التي جمعت نفعًا وتحسينًا وسعة على من التجأ إلى ظل ملكه وتحصينًا، مولانا صلاح الدنيا والدين أبو المظفر يوسف بن أيوب محيي دولة أمير المؤمنين على يد أمير مملكته ومعين دولته قراقوش بن عبدالله المالكي الناصري في سنة تسع وسبعين وخمسمائة (أي سنة 1183 – 1184م)”.

وفاة الناصر صلاح الدين

توفي الناصر صلاح الدين في عام 589هـ/1193م، قبل انتهاء بناء القلعة، ثم استكمل البناء في عهد الملك الكامل محمد بن الملك العادل عام 604هـ/1207م.

أنشأ الملك فيها الدور السلطانية، واتخذها سكنًا له، وظل يسكنها حتى مات، فاستمرت من بعده دار مملكة مصر حتى عام 1850م.

شهدت القلعة العديد من الأحداث التاريخية الدامية، وظلت مقرًا للحكم في الدولة الأيوبية ودولة المماليك، والعثمانيين ثم الأسرة العلوية (أسرة محمد علي باشا)، ثم استمرت إلى عصر الخديوي إسماعيل حيث اتخذ قصر عابدين مقرًا للملك.

أثناء الحملة الفرنسية على مصر عام 1798م، سقطت القلعة في يد نابليون بونابرت، حيث ذكر عبد الرحمن الجبرتي في كتابه “عجائب الآثار “أن الفرنسيين قد قاموا بهدم الكثير من المنشآت بالقلعة وغيروا من معالمها من أجل تحصينها”.

ورغم الاحتلال الفرنسي لمصر ورحيله عام 1801م، إلا أن العلماء الذين رافقوا الحملة الفرنسية تركوا لنا أقدم خريطة للقلعة في كتابهم الذي وضعوه وهو “وصف مصر”.

وضعوا علماء الحملة في كتاب وصف مصر مخططا كاملا للقلعة وأهم مبانيها ومنشآتها في القرن الثامن عشر الميلادي.

وعندما احتلت مصر عام 1882م اتخذت القلعة مقرًا لقيادة أركان الجيش البريطاني الذي ظل بها حتى 1946م عندما تم جلاء الإنجليز من القلعة في عهد الملك فاروق الأول، وتم رفع العلم المصري.

ثم تسلم الجيش المصري قلعة صلاح الدين الأيوبي وظلت تحت قيادته إلى أن تسلمتها هيئة الآثار المصرية عام 1983م.

قامت هيئة الآثار بعمل العديد من الترميمات والإصلاحات في القلعة، وفي عام 1994 قام المجلس الأعلى للآثار بترميم السور الشمالي وبعض المباني.

تحتوي قلعة صلاح الدين الأيوبي على مدينة كاملة من الآثار ترجع إلى عصور إسلامية من مساجد وأسبلة وقصور ودواوين ومصانع حربية ومشغل لكسوة الكعبة المشرفة ومدارس حربية ومدنية.

قلعة صلاح الدين الأيوبي من الداخل

في الباب المقابل لشارع صلاح سالم يوجد ساحة كبيرة تعرف باسم الحوش السلطاني أو الساحة الملكية تحتوي على أبنية قديمة ترجع للعصر المملوكي، قام محمد علي بتجديد مبانيها، وإنشاء مباني أخرى محلها.

صمم بهاء الدين قراقوش الأسدي وهو أحد أمراء صلاح الدين التخطيط المعماري للقلعة على جهتين مستقلتين عن بعضهما، هما الجهة الشمالية وتضم الحصن الحربي وتوجد بها أبراج بارزة، والجهة الجنوبية وتضم القصور وإصطبلات الخيل.

أنشأ صلاح الدين داحل القلعة المدرسة الناصرية لتدريس أصول الدين وعلومه، كما بنى ملوك مصر من بعده عدد من القصور والمساجد.

تتمتع القلعة بالأسوار والأبراج والأبواب المرتفعة صامدة على مر السنين والعصور، وتنقسم إلى ساحتين بواسطة سورين.

الساحة الشماليه ويسميها المؤرخون قلعة صلاح الدين الأيوبي أو قلعة الجبل، وتتكون من مساحة ذات مسقط أفقي مستطيل غير منتظم الشكل بطول 650 مترا وعرض 317 مترا.

أما السور الجنوبي أو الساحة الجنوبية يطلق عليها اسم القلعة وتتكون من مساحة ذات مسقط أفقي مستطيل بطول 510 مترا وعرض 270 مترا.

يفصل بين هذين الساحتين حائط سميك يمتد نحو 150 مترًا ويطلق عليه اسم الرقبة، وعلى كل طرف من أطراف هذا الحائط أبراج ذات أقطار كبيرة وفي وسط الحائط  باب يسمى باب القلة.

أبواب قلعة صلاح الدين

ويوجد لقلعة الجبل بابان وهما، الباب الأعظم أو الباب المدرج وهو مواجه للقاهرة، والباب الثاني باب القرافة يواجه جبل المقطم.

وكان هناك باب آخر ويسمى باب السر، وكان مخصص فقط للحاشية الملكية وأغلقت بعض الأبواب وحلت محلها أبواب جديدة في عصر محمد علي باشا.

والباب الرئيسي حاليا للقلعة هو باب المقطم، وسمي بذلك لمجاورته لبرج المقطم الذي يرجع تاريخه إلى العصر العثماني.

وسمي ايضًا هذا الباب باسم باب الجبل لإشرافه على باب جبل المقطم، أما حاليًا فإنه يعرف باسم بوابة صلاح سالم.

وباب الجبل هو عبارة عن فتحة مستطيلة في حائط سميك في جنوب برج المقطم، ويوجد عليه لوحة تذكارية لتاريخ بناء الباب والقصر باللغة التركية عام 1200هـ/1785م.

في فترة حكم محمد علي قام بتمهيد طريق بطول 650 مترًا من باب الجبل إلى قلعته بالمقطم وأضاف الزلاقة الصاعدة إلى أعلى جبل المقطم.

في الوقت الحالي تم شق هذا الطريق الذي أقامه محمد علي، وقطعه بطريق صلاح سالم وسكة حديد مصر حلوان والأتوستراد.

كما تم هدم جزء من السور والشرفات التي تعلو الطريق، وهدم جزء من السلالم الواصلة لأعلى السور الشمالي وبرج المقطم عند شق طريق صلاح سالم عام 1955م.

وفتح الباب الحالي الذي يدخل منه للقلعة من جهة صلاح سالم والمجاور للباب، وقام المجلس الأعلى للآثار بإعادة فتح هذا الباب ليتناسب مع مكانته التاريخية والحضارية.

مسجد محمد علي

يعتقد البعض أن قلعة صلاح الدين الأيوبي هي قلعة محمد علي باشا، وذلك ليس صحيح، كلف محمد علي المهندس التركي يوسف بوشناق بوضع تصميم للمسجد، فوقع اختياره على مسجد السلطان أحمد بالأستانة.

بدأ العمل في بناء المسجد عام (1246هـ – 1830م)، واستمر العمل حتى وفاة محمد علي عام ( 1265هـ – 1849م)، فدفن في المقبرة التي أعدها لنفسه بداخل المسجد.

بقع ضريح محمد علي في الركن الغربي القبلي من مسجده، ويتألف من تركيبة رخامية حولها مقصورة من النحاس المذهب تتمتع بالزخارف الإسلامية والتركية المتأثرة بالباروك والروكوكو.

يوجد داخل القلعة ثلاثة قصور الحريم وهي، القصر الأوسط والقصر الشرقي والقصر الغربي، بنيت بأسلوب العمارة العثماني، وخصصت لكثير من الأغراض مثل، إسكان اليتامى من عائلة محمد علي باشا وأمراء المماليك.

تضم القصور حاليًا المتحف الحربي المصري، وهو يحاكي تاريخ العسكرية المصرية من العصر الفرعوني إلى الآن.

قلعة صلاح الدين الأيوبي

قصر الجوهرة

أقام محمد علي قصر الجوهرة لزوجاته وليكون ايضًا مقرًا للحكم، بُني على أطلال قاعات مملوكية ومنشآت أخرى أبرزها مقعد السلطان قايتباي؛ ليشرف على القاهرة كلها حتى الآن من خلال ساحته التي يطلقون عليها “البانوراما”.

يتميز القصر بكثرة المرايا به، حيث تقع مرآه ضخمة في مواجهة سلم دخول القصر، كما يوجد في طابق قاعة العرش مرآه أخرى.

كان محمد علي يخشى الغدر به من الخلف، ولذلك كان يحب أن يرى ما يحدث خلف ظهره، أو من يدخل عليه.

كتبه| منى علي سلامة

موضوعات متعلقة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى