منارة الإسلام

معنى المحبة في الله ودلائلها.. الشيخ محمد القويسني يجيب

قالوا إن كلمة حب تكونت من حرفين، لأنها تجمع بين قلبين لهما وحدة المناجاة، ولوعة لتشوق وبهجة اللقاء، وأجمل منزلة حين يتقرب العبد إلى ربه في وصول بعيد عن الرياء، جامع بين الخوف والرجاء، الخوف من جلال ذاته تعالى، بمعنى الهيبة حتى لا يقع تقصير في تقديس هذه الذات القدسية العلية، والرجاء في تقبل الحب لنيل مرتبة الوصول، وفي هذا السياق يتطرق الحديث مع الشيخ محمد القويسني، إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية، ومسؤول اللجنة الدينية بجمعية المرأة المعيلة، حول: ( معنى المحبة في الله – آثار محبة الله للعبد – دعاء المحبة في الله ).

معنى المحبة في الله

يقول “القويسني” لقد كان المولى الجليل يحب رسوله فيفيض عليه من نعمائه وفضله، ويعيطه المقام الأسنى، حتى فضله بدينه الخالد على الزمان وشفاعته يوم القيامة.

وأضاف: ولهذا يتجلى مظهر المحب في طاعة المحبوب والعمل على رضاه، على قدر الطاعة ونيل الرضا، ودلالة الحب تتضح عند الشدة فتتفتح القلوب مشرقة بنور الود، موثقة بجمال العهد مطمئنة إلى قداسة الوفاء.

يقول المولى – عز وجل: “والذين آمنوا أشد حبا لله”، وحول الآية الكريمة، أوضح الشيخ القويسني، أن ابن عباس – رضي الله عنهما، فسرها، أن أكثر حبهم في الثبات والدوام، فقد يتصل الحب بعارض ذاهب، ما عدا حب صاحب النعم الموصولة فهو لا ينقطع عند الواصلين.

ويشرح “القويسني” أن الحب لذات الله ليس وساطة، فأنه رؤف رحيم عطوف كريم، فهو يقول: “يحبهم ويحبونه” أي يتقربون إليه بصفاء القلوب فيجازيهم على حبهم بالتقبل والأقبال.

وكان سيدنا داود -عليه السلام – يناجي ربه قائلا: “اللهم أني أسالك حبك، وحب من يحبك، والعمل الذي يبلغني حبك، اللهم أجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي“.

وتابع “القويسني”، حديثه عن دلائل معنى المحبة في الله أنه يروى عن انس بن مالك – رضى الله عنه – إنه قال: سمعت الرسول – صلى الله عليه وسلم – يقول: “من أحب الله تعالى فليحبني، ومن أحبني فليحب أصحابي، ومن أحب أصحابي، فليحب القرآن“.

ويروى ايضا عن ابي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال: سمعت رسول الله يقول: “أن الله إذا أحب عبدا قال لجبريل عليه السلام – نادي في أهل السماء والأرض أن الله أحب فلانا فأحبوه“.

تعرف على.. أسرار بسم الله الرحمن الرحيم

دعاء المحبة في الله

وعن دلائل معنى المحبة في الله ودعائها، روى “القويسني” أن أحد الصالحين دخل على حاكم فسأله: ماذا تقول في دعائك عن واصل يحبه الله؟: قال اللهم حببني إلى قلوب العباد، فأستخف به الحاكم، لكن الصالح قال له: سترى في منامك حقيقة الدعاء.

ولقد رأى الحاكم رؤيا وسمع صوت من مسجد الرسول يقول له: دم على قولك اللهم حببني إلى قلوب العباد، فأن أولياء الله لا يحبون عبدًا إلا أحبه الله، قال الحاكم: فما زلت أدعو بها حتى أحبني عباده.

وروى عن انس عن النبي أنه قال: ثلاثة من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه من سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن انقذه الله منه، كما يكره أن يعذب في النار“.

لماذا نصلي على النبي؟.. تعرف على الإجابة

آثار محبة الله للعبد

وعن دلائل معنى المحبة في الله وآثار محبة الله للعبد، يقول “القويسني” قيل لبعض المحبين: كيف رأيت المحبة؟ قال: وقفنا على ساحل بحر زاخر ماله من آخر، فقرب مني قارب فيه صوت ينادي “من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا”، ثم توسطت البحر، وصرت أتامل بحر المحبة، فوجدته ينادي “من أراد معرفة المحبة فلينظر إليَ، ليعرف الخافي أن المحبة نور وللجاهل نار“.

وروى عن عبد الله بن الفضل – رضي الله عنه – أنه قال: كنت أقول في مناجتي، إلهي أن كنت مقصرًا في خدمتك، فما كنت مقصرًا في محبتك، وما زلت أقولها حتى شعرت روحي بغفران ذنوبي“.

واستكمل القويسني حديثه لـ”بوابة القاهرة” فيقول أنهم قالوا: أن واصلا عرف خبر رجل باليمين قد أرتفع بحبه لربه، حتى فاق العارفين، فأحب الوصول إليه للانتفاع بما لديه، ولما خرج قال له: ما علامة الحب لله؟، قال: أن تنزل نفسك منزلة السقيم،
قال فما علاقة المحبين؟ قال: أنهم نظروا إلى نور جلاله، فصارت أبدانهم روحية وعقولهم سماوية لا طمعا في جنته ولا خوفا من عقابة.

وروى عن الحسن البصري – رضي الله عنه – أنه قال: “سمعت أن الله دعا داود – عليه السلام – إلى حبه، لأن الذي يحبه إلى عباده ذكرهم نعمته عليهم، فأنهم لم يعرفوا منه إلا الحسن الجميل“.

وقال ابو حيان: يقول المولى – عز وجل – في حديثه القدسي: “يا عبادى هل رضيتم بنعمتي؟ فأنا منكم قاب قوسين أو أدنى، وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة“.

معنى المحبة في الله وشروطها

أوضح الداعية الإسلامي محمد القويسني، أن شروط المحبة سبعة اشياء وهي: إخلاص النية، والخوف منه، والرجاء في ثوابه، والصدق معه، والتوكل عليه، وحسن الظن به، والشوق إليه.

وأضاف أان البلاء موكل بالمحب، وعلى قدر الإصطبار تكون الوصلة، ومن وصل كانت له منزلته لدى رفيع الدرجات ذي العرش المجيد.

ويعقب “القويسني” عن ما أوضحه في الأعلى فيما روى عن معنى المحبة في الله ودلائلها، إن ما ورد مقصود منه تدريب النفس على خلوصها من حب ذاتها، لأن حب النفس داع إلى عدم حسن الصلة بين العبد وربه، وبينه وبين الناس.

وأضاف: إن محب نفسه يعمل على حيازة ما في الدنيا، فلا يعترف بحق غيره فيها، فهو يسلب الحقوق ويعتدي على الأرزاق، رغبة في أن يكون له ما ليس لسواءه من مال وشهرة وغيرهما.

وأكد “القويسني” أن حب العبد ربه، يدعوه إلى الإعتراف بصغر شأنه في جانب خلقة، فيصغر أمام عينيه كل كبير، فيأخذ من الدنيا على قدر ما يقيم وجوده فيها.

وأشار في هذا الصدد إلى أن الله تبارك وتعالى لا يمنع العبد أن يمتلك، لكنه يمنعه أن يشاركه في ملكه، وكم من بعيد عن خالقه يحب نفسه، وما نراه في الحياة من خصام ومنازعة، يرجع إلى حب النفس وحدها.

واختتم القويسني حديثه، أن “أنا” قد أنزلت إبليس من الجنة، حينما قال “أنا خير منه”، لكن من أحب ربه أحب عباده، ومتى تكامل الحب، عاش المحب راضيا بين الخالق والمخلوق، والرضا منتهى سعادة الحياة.

كتبه| أحمد سلامة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى