أحداث وأخبار

شركة فوسفات القصير تراث أثري صناعي يناشد “الآثار” لإحيائه

نعلم جميعا أن جمال الطبيعة أخذ بالقلوب، خاصةً وإن ضمت كنوز وأسرار ذات طابع مميز وفريد، لكن عندما يحاصر هذا الجمال إهمال، تراه حزين لما آل إليه من سرقة وتدمير وسوء إدارة لكنوز يتمنى الغير امتلاكها.

ومن أجمل ما أهمل ودمر على ممر السنوات الماضية شركة الفوسفات بمدينة القصير التابعة لمحافظة البحر الأحمر، التي انشائها الإيطاليون وأقام بها الملك فاروق استراحه كعادته آنذاك.

وأوضح الباحث الأثري محمود توني شعبان، لـ”بوابة القاهرة”، أن مدينة القصير تزخر بالعديد من المباني التراثية والتي تحاكي طراز العمارة الوافدة من الغرب وخاصةً الطراز الإيطالي في المباني الخاصة بـ شركة الفوسفات بمدينة القصير، التي خلفها لنا الإيطاليين على ساحل البحر الأحمر في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي ومطلع القرن العشرين.

ومدينة القصير كانت مدينة تجارية هامة في العصر البطلمي وذلك لتجارة مصر مع الهند وشبه الجزيرة العربية. وبعد دخول مصر في الإسلام أصبح لها دور محوري على طريق حجاج بيت الله الحرام.

ومع نهاية القرن التاسع عشر الميلادي وبداية القرن العشرين دخلت مدينه القصير عصر الصناعة وكان ذلك عندما بدأت شركة الفوسفات نشاطها عام 1912م لإستخراج وتجارة الفوسفات “شركة مصرية إيطالية”، وقامت بتصدير أو شحنه من الفوسفات على الباخره Cavi  عام 1916م.

وقد تطور إنتاج الشركة حتى بلع إنتاجها في أواخر الخمسينيات إلى حوالي 350 ألف طن في السنة، أي ما يعادل 57% من إنتاج الفوسفات في جمهورية مصر العربية، وبلغت صادرتها في ذات الفترة حوالي 320 ألف طن، وعقب التأميم في ستينيات القرن الماضي.

وبعد ذلك إنتقلت المدينة نفسها للعمل في تجارة واستخراج الفوسفات تحت إسم شركة البحر الأحمر للتعدين، وبعدها إنتقلت لحوزة الشركة القابضة للتعدين، التي قررت لاحقا في عام 2000م إيقاف مهام معالجة الفوسفات في المدينة والإكتفاء بالمهمة الأساسية التي أنشئت لأجلها كمدينة إدارية.

وتضم الشركة العديد من المباني ذات الطراز المعماري الفريد في البحر الأحمر، ومن تلك المباني يوجد مبنى يسمي “بيت الإدارة” على يسار الدخول من البواية الرئيسية للشركة، وهو مبنى مخصص للسادة القائمين على إدارة الشركة، والمبنى مكون من طابق واحد، وقد شُيد المبنى من الحجر.

ومن أهم ما يضم هذا المبنى معرض التحنيط، وهو عبارة عن بعض الإبداعات الفنية في التحنيط حيث تم وضع بعض الأعمال التي تم تحنيطها على يد البروفسيور الإيطالي “بليجريني” في دولابين من الخشب بواجهةً زجاجية على جانبي المدخل.

وتمثل تلك الأعمال تحنيط للعديد من الطيور والحيوانات البحرية والبرية مثل (البجع – أبو قردان – طائر النورس –أبو الفصاد – سلحفاة بحرية – الحرباء – تمساح نهري –استاكوزا – خراف – الولان).

كما يحتوي بيت الإدارة على مجموعة من “الخرائط القديمة “، والتي منها على سبيل المثال (خريطة للطرق البرية في الصحراء الشرقية في العصر الروماني، وقد أصاب بعضها التلف).

وأيضا توجد (خريطة توضح رسم بياني لإنتاجية الشركة من الفوسفات منذ عام 1916 وحتى عام 1966م)، ويوجد بالمبنى أيضاً معمل كيمائي مخصص لقياس درجة حرارة الفوسفات.

ومازالت هناك بعض الأدوات بداخل المعمل من موازين صغيرة جدًا وبعض الأواني الزجاجية التي تحتوي على سوائل، وبعض التقارير وثلاجات قديمة، والحوامل الخشبية في حاله جيدةً من الحفظ.

مبنى الإستراحه: وهو ما يعرف خطأ بإستراحة الملك فاروق وهو مبنى خاص بشركة الفوسفات تم انشائة على يد كبار المهندسين الإيطالين، ليكون استراحة لأستقبال كبار الزائرين.

وقد شيد المبنى من الحجر، وهو مكون من طابقين وله أربع واجهات حرة، ويحيط بالمبني ساحة كبيرة خصصت لتكون حديقة للمبنى.

وتحتوي الإستراحه في الطابق الأول على دار للضيافة تتمثل في بهو فسيح في المنتصف يفتح على جانبية قاعة للطعام ملحق بها مطبخ، وقاعات أخرى للأستقبال.

أما الطابق الثاني فقد خصص للمبيت حيث الغرف والأجنحة الخاصة بالمعيشه لكبار الزوار وقد زارها الملك فؤاد عام 1926م عند إفتتاح مناجم البيضة بالقصير.

كما زارها الملك فاروق أكثر من مرة، وأيضا زارها الرئيس جمال عبد الناصر، وهو ما جعل الكثيرين يلقبوها بالإستراحه الملكية أو إستراحة الملك فاروق.

وكانت هناك الملاحق الخاصة بالإستراحه منها مبنى خدمي يطل مباشرةً على البحر يسمي بالـ(الميز) وهو مبنى خدمي و ترفيهي يضم غرف للمطبخ وبه ترابيزة مخصصة للألعاب الترفيهمة (بينج بونج) وتراس خشبي وأمامه ملعب رملي للتنس كان مخصص للعاملين بالشركة.

المدرسة الإيطالية: وهي مبنى يقع في عمق الشركة من الداخل في الجانب الشمالي و كان المبني في بادئ الأمر مخصص كي يكون مدرسة لأبناء العاملين الإيطاليين فقط.

وبدأ بالفصل الإيطالي (فصل واحد فقط) ثم تم إضافة فصل عربي أخر لتعليم أبناء مدينة القصير وكان المشرف على هذه المدرسة بليجريني.

والمبنى مشيد من الحجر على الطراز الإيطالي، وللمبنى أربع واجهات حرة و تقع الواجهة الرئيسية بالجانب الجنوبي حيث كتلة المدخل البارزة والذي يتوسطها عقد كبير نص دائري يفضي إلى ساحة الدخول.

والمبنى عبارة عن جناحين كل جناح تم استغلالة كي يكون فصل أحدهما إيطالي والأخر عربي، وما بين الجناح الشرقي والجناح الغربي يوجد مكتب المشرف على المدرسة.

كما يوجد بداخل الشركة محطة توليد طاقة كانت مسئولة عن توفير الإضاءة للشركة والمعدات التي بـحاجة إلى الكهرباء.

وخلف محطة الكهرباء تنتشر الهناجر والمخازن التي بنيت على الطراز الإيطالي الأمر الذي يشعرك بأنك في إحدى المدن الإيطالية.

وبين هذه المخازن ينتشر العاملون القادمون من فرع الشركة في الحمروين لتحميل قطع الغيار ومستلزمات استخراج خام الفوسفات.

وركز الباحث إلى أن الشركة كانت تحتوي على “كنيسة قديمة” كانت مخصصة لاداء الصلوات والعبادات للعاملين الإيطاليين بالشركة، وقد تم هدم الكنيسة القديمة بالشركة في وقت سابق و بناء كنيسه حديثة.

وعلى بُعد أمتار من الكنيسة الحديثة هناك 8 مبانٍي وهي عبارة عن “منازل للعاملين” وهي مكونة من طابق واحد تتميز بالطراز الأيطالي في تصميمها.

ويتقدم كل مبني منهم درج صاعد حيث التراس الخشبي المحاط بدرابزين، وكل منزل يتكون من بعض الغرف، بالإضافة إلى الملحقات الخدمية الخاصة به.

فلم تكن هذة المنازل فقط للعاملين بل كانت أيضا للعاملين وأسرهم، بالإضافة إلى مبني لتوليد الكهرباء ومكثف للثلج وكانتين لتوزيع المواد الغذائية على عمال الشركة.

وفي الشمال من مباني الشركة توجد وحدة منشأءة الغسيل حيث كانت تستقبل الأحجار الواردة من مناجم الفوسفات المختلفة مثل منجم البيضا ومنجم يونس وأبو تندب والنخيل والحمطات وغيرها من المناجم.

وكانت الأحجار تدخل في منشأءة الغسيل حيث كسارة الأحجار في المرحلة الأولى لأحجار الفوسفات ثم يلي تلك المرحلة تجهيز الأحجار التي كسرت لعملية الطحن في جنوب المبني، ثم عملية نقل خام الفوسفات في التليفريك في ميناء الشحن للتصدير.

وأكد الباحث الأثري محمود توني شعبان، لـ” بوابة القاهرة “، أنه جاري إعداد الملف الخاص بتسجيل مباني شركه الفوسفات و إرساله إلى الجهات المختصه في وزارة الاّثار لتسجيل مباني الشركة في قائمه الآثار الإسلامية والقبطية بوزاة الآثار المصرية.

ويقترح “توني”، إلى ضرورة وضع خطة عاجلة إلى تأهيل مباني الشركه للحفاظ على هذا التراث الصناعي، وذلك من خلال إعادة التأهيل والإستخدام ودرء خطورة للمباني المتدهورة ووضع رؤية تحمل في طياتها أبعاداً إقتصادية وتراثية تساعد على الحفاظ على مباني الشركة وتضمن إستدامتها وعدم هدمها.

ويؤكد الباحث الأثري لـ”بوابة القاهرة”، أن الأمر ليس بالصعب خاصةً وأن الشركة حاليًا مقصدًا للزيارة من قبل العديد من الأفواج السياحية من مختلف الجنسيات من السائحين الأجانب بمحافظة البحر الأحمر.

كتبه| سلمى حسن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى