مقالات وآراء

تزوجت بالإنسان الخطأ.. فهل يكون الحل الأمثل الانفصال؟

لعله أكثر شئ نخشى الوقوع فيه طيلة حياتنا، ونحاول دائمًا تفاديه بكل ما نستطيع من سبل، ورغم ذلك يصل أغلبنا إلى هذه النتيجة: ” تزوجت بالإنسانـ (ـة) الخطأ.

كيف حصل ذلك؟ وهل يوجد زوجان على وجه الأرض راضيان عن بعضهما البعض؟.. فمهما اجتهدنا في أختيار شريك الحياة، سنظل مفتقدين للعديد من الخصال التي نشتهي توفرها فيه.

التجانس: تجذبنا إلى بعضهم وسامتهم وجمال مظهرهم، أو تجذبنا حسن أخلاقهم، أو يجذبنا اهتمامهم ودفء مشاعرهم، ورغم أنه قلّما تجتمع هذه الخصال كلّها، لكنها إذا اجتمعت سيكون الجذب جارفًا للحد الذي لا نتخيل معه أننا قد نصل معهم يومًا إلى طريقٍ مسدود، ومع ذلك فإن هذا ما يحصل في كثيرٍ من الزيجات.

وحين يتفق اثنان على الزواج، يحسبان أنّهما أسعد اثنين على الأرض، ومع مرور أسابيع تحت سقف واحد، تبدأ سلسلة الخصومات بسبب أو بدون سبب، حتى يُخيل لأحدهما أنه ارتكب أكبر خطأ في حياته باختيار هذا الشريك، ونكتشف متأخرين أن الوسامة والطيبة والثقافة شيئٌ، والحياة الزوجية شيئٌ آخر، فكيف توهّمنا من قبل أننا أسعد اثنين على وجه الأرض؟

حين تلتقي بأي إنسان للمرة الأولى، ينشغل عقلك الباطن بالبحث عن أكبر عدد من الأمور المشتركة بينكما، تبحث عن صفاته الإيجابية التي تجذبك إليه، ولم يلفت انتباهك الأشياء الصغيرة التي لا تتفقان عليها، فيكون همّ كل منكما إرضاء الأخر وقضاء وقت ممتع معه.

لكن حين تتخطّيا فضول مرحلة التعارف ومتعتها، وتصبحان في مرحلة الصداقة، تتضح سلبيات كل منكما للآخر، لكن المحاسن تلعب الدور المهم في إذكاء علاقتكما أو فتورها.

خلال التعارف بهدف الزواج، يكون كلا الطرفين واقعًا تحت تأثير الوحدة، وعلى استعداد كبير للتساهل حيال الكثير من الحاجات المستحقة، يبحثان جاهدين عن التجانس والتوافقات، ويهربان من الحديث عن التنافر والفروقات. لكن بمجرد الزواج، تتغير نظرة العقل الباطن من البحث عن التوافقات إلى التحقق من توفرها والاستمتاع بها. فإذا قصّر أحد الزوجين في أمر ما، ولو عن غير قصد، استشاط الآخر غيظاً.

 

هناك شئ اسمه وهم “الحب الواعي”:

 

لا حب مع الوعي، والوعي يفر من الحب، لأن الوعي يرسم المسافة التي تفصلك عن أي إنسان تقابله. والحب يلغي المسافات ويُعمي عن الفوارق بين المتحابين.

ولهذا يصعب على العقلانيين أن يقعوا في شراك الحب. ولو أنّهم وقعوا، فسرعان ما يخرجون منها. إمّا باختيار الفراق، وإما باختيار العيش في ظل علاقةٍ اسمية لا روح فيها، فنجد أنّ أكثر ( المبدعين ) فضلوا العزوبة على ارتباط يحدّ من حُريتهم و من قدرتهم على الإنجاز.

 

طريقة التعارف الصحيحة

 

الزواج هو تفاعلٍ بين عنصرين كيميائيين مستقلّين مستقرّين في حالتهما الأصلية. غير أنّ المزيج الناتج من انصهارهما ببعضهما، يحمل مواصفاتٍ تختلف عن المواصفات الأصلية لكلّ منهما، مع أنه مركب من اندماج العنصرين ذاتهما. فحذار أن ينتهي بك الأمر أن تنصهر مع الإنسان الخطأ.

طريقة التعارف المثلى تكون بالبحث عن الفوارق، لا بتأكيد وجوه التوافق، اسأل شريك المستقبل بصراحة عن كل ما يتمناه ولا يراه فيك لترى إن كان بوسعك تلبيته، واطلب منه بصراحة أيضاً كل ما تشتهيه نفسك ولا تجده فيه، ثم انظرا إن كان بوسع كل منكما إرضاء حاجات الآخر.

لتكن فترة الخطوبة فترة اختبار واكتشاف ومسؤولية، لا فترة لعب وتبادل مشاعر، إذا وجدتما خلالها أن لدى بعضكما القدرة على الاستمرار، فاكتبا على ورقة ما تتفقان عليه، كي لا ينسى أحد بعد زمن.

 

هل يكون الحل الأمثل الانفصال؟

 

ثق أن اختيار شريك الحياة لا يعدو عن اختيار إنسان تعاني معه بقية حياتك!، إنّ وهم العيش مع زوجة أو زوج مثالي لا تكفي، غالبًا ما ينتهي الأمر بك أن تعيش مستقلا، أو تنتهي إلى الاستقلال بعد زواج فاشل، غير أن فشل أحدكما في رفع الهم أو الحزن عن الآخر ليس سببًا كافيًا للفراق، فهناك أسباب بوسعنا الأخذ بها للحفاظ على بيت الزوجية، إذا وجدت إرادة التضحية بين الاثنين.

 

الخلاصة:

 

الحب، في حد ذاته، شرط لازم لبلوغ التجانس بين الاثنين، ولكنه غير كافٍ لاستمراره، وأما معسول الكلام عن الحب الذي لا تواكبه القدرة على التضحية من قبل طرفي العلاقة، فهو لا يُشيد غير بيتٍ أشبه ببيت العنكبوت، والإنسان الأنسب ليس هو من تجد عنده أغلب ما تشتهيه، بل هو:

  • هو الذي لا يهجرك إذا اختلفت معه، رافضًا فتح أبواب الحوار معه حتى تعتذر له.
  • هو الذي يستطيع أن يكلمك بصراحة ووضوح حول مخاوفك ويبدي تفهمه.
  • هو الذي تجد عنده القدرة على التضحية، ورغبة الحفاظ على رابط الأسرة.
  • هو الذي يكون قادراً على العطاء، رغم جميع الفروقات أو رغم الخلافات بينكما.

 

نادية محمدي
خبير وباحث في التنمية البشرية
ومدرب معتمد

موضوعات متعلقة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى