فن وثقافة

إيمان حسين تكتب: ملامح باردة

يعرض موقع بوابة القاهرة لمتابعيه القصة القصيرة ملامح باردة للكاتبة إيمان حسين، كاتبة مصرية.

قصة ملامح باردة

يصفونها بالبرود، ولا يعلمون إلا أي مدى تألمت، ولا يبصرون عن جروح قلبها الدَّفينة، وكيف كان لها وجهًا براقًا مبتسمًا قبل أن يصبها غثيان الواقع الأليم؟!

أو تسقط بمستنقع الذكورة الزائفة المتحكمة بواقعها وهلاكها، وسقوطها في رحيِّ ثوراته البركانية التي سيطرت بطموحها، وسهمت بتوقف النبض عن حياتها. أحيانًا كثرت الصدامات تصيب المرء بالامبالاه.

كيف كانت تناشده الضمير وتعطي من روحها ليدُق قلبه صوبها؟! ولم يستجب إلا لندائهاته وشهواته، كانت بالنسبه له دُمية أعطاها شرف حمل اسمه، ولم يعطِها من رجولته إلا قطرات كي تنبت نبته تسهر عليها ليلًا وترعاها نهارًا هكذا تعلم أنه رجل!

إقرأ المزيد| فلسطين عربية.. قصيدة لـ إيمان موسى

كانت بمثابة قطعة أثاث تُزين عالمه، ليس لها حق فأي شئ، سوى تلبية رغباته وأحكامه ولها كل الفخر أن أعطاها إسمه.

كانت تعيش حياةٍ بائسة ذليلة ليس لها شئ تقوده، بل كانت مُقادة كل الوقت. فكلما خلت بذاتها تشبثت بالمتنفس الوحيد لها ألا وهو “خيالها”، فكانت ترسم أحلامًا، وترى ذاتها برداءً أبيضًا مطرز بزهور المستقبل، ورداء التخرج من سجنها شاهرة لأعلى قبعة التخرج إلي جنان الأحلام.

وكانت تضع خطط أنها ستكون يومًا ملكة ذاتها، وستحقق آمالها، ولكن كانت تغفو وتستيقظ على وجهُ الذكوري العابس. لم تراه يومًا يقول لها أنها رفيقة دربه، أو يناقشها بحلم من أحلامها، وكأنها خلقت لطاعة والانصياع لأوامره.

مرت الأيام متشابهة، لا شئ جديد يمر عليها بل كل يومًا يمر تصلب لديها شريان الأمل، وتصمد لديها الشعور والحس بأنوثتها؛ هناك من يقتل المشاعر ويدفن الأنوثة بخناجر الإهمال والتهميش.

واستقيظت ذات نهارٍ وقررت الفرار من سجن تسلطه، ومباهاته بذكورته، وأحكامه، وعاداته، وإهماله، وطمعه، وجشعه. كل صفاته الدنيئة التى حاولت أن تواريها عن قلبها يومًا، ولكن قسمتها نصفين ومزقت كل مشاعرها.

الآن أستطاعت الولوج علي منصة الحياة، وقالت “لا”، سوف أنهي حياتي معك، وسأترك كل شئ لك وسأظفر بذاتي.

قد يهمك قراءة| عمليات تجميل جروح الوجه بالليزر وتقنياتها

لا أريد كل حياتي معك، فقط سأخذ ورداتي منك، التي ولا بد أنها حملت بعض جيناتك الدنيئة، ولكن سأحاول أنَّ أرعاهم من الذُّبول والتَّشبُّع بماءك وسأعتني بهم بمنبتٍ نظيفٍ غير بيئتك المتدَّنية.

وعندما تخلصت من كل تلك القيود أصبحت لا تبالي بشئ، ولا تسعى أنّ تحافظ على شئ، لا ترى بالحياة سوى أحلامها التي اندثرت من عهد كتب عليها سجنه سنوات مسلوبة الإرادة، لا تعلم من كلمات سوى حروف الطاعة والرضوخ لا تردد غيرها.

كم لحظات الألم التى عشتها؟! كم مرت أيام وساعات توشحت بالسواد؟! ولم يكن لها أي دور سوى أنَّ تلبي فقط، فليس من حقها أنّ تقول لا أو تعترض ولا تقف على أي شئ.

سهرت ليالي تناجي ربها، لماذا خلقت بأنوثة متكسرة؟! لما أوقعها نصيبها بشبه الرجل، ولما لا تقول لا مرة، ماذا سيحدث بعد ما حدث؟!

والآن قلت لا وأصبحت أنا بكل ما حلمت، أسير علي خطواتي، وأسبح بنجحاتي وتحقيق آمالي، أسعى وأُهرول لكل حلم لم أحققه يومًا، أركد خلف طموحاتي، أعتني بأنوثتي، وأُنمي أفكاري وأغذيها بما هو جديد.

لا ألتفت إلى الماضي ولو أنه يطاردتي كل يومًا، ولكني أحارب أشباحه بكل أسلحتي، وأقوي عزيمتي بهتفات المستقبل بأني سأكون مرموقة في مجتمعي.

ولكن مازال الجميع ينعتني بالبرود، ألا تعلمون بأني أريد التمسك بأحلامي، وأريد السعي خلف طموحي، وهذا لابد من أسلحة، لماذا لا تعلمون بما أعانيه بوحدتي وفقداني احترام ما اختلط يومًا اسمي باسمه؟! ومن تفوهت له يومًا بكلمات الحب.

بالله عليكم كيف أحافظ على ما تبقى من ذاتي إذا لم أتسلح بالبرود، وعدم الأكتراث، كيف أواجه نفوس خبيثة طمعت بجمالي؟! كيف أحارب مشاعري وأنوثتي؟!

كيف أصمد أمام مجتمعي الذي يدِّيني أني أسلك طريقي وحدي ويرمي أصابع اتهاماته بأني قد أكون امرأة منحلة أو أحمل عيبًا؟

ماذا عساني أن أفعل لأكتم جريان شريان مشاعري، ومتطلباتي، وكيف لي الصمود أمام أحلامي وتطلوعاتي؟!

لم أكن أتصف بالبرود يومًا إلا عندما أخترت أشياء تاق لها قلبي وغدت أحلم بها، وصرت أردد لهم كلمة الحب ولا أعلم أنها ستكون سجني وسجاني، لم أتفوه بكلمة الحب لأحد إلا وندمت عليها وهذا لضعف شخصيتي وسوء أختياراتي.

الآن سأقوى على كل من هزمني وكسر أمالي وطموحاتي، استطيع العيش بدونكم، واستطيع أن أقف على أرض صلبة الآن.

أشعر أن استطيع الطيران في سماء طموحاتي، والسير على أنهار الأمل وبساتين الأحلام، ولن أنبش بقبور الماضي ولن أقف عليه.

أنا الآن أشعر بأني امرأة حرة، تعتنق كل مذاهب النجاح وسيحترمني الجميع عندما أصل، وبدعائي سأصل.

ملامح باردة

بقلم| إيمان حسين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى